benami164_BRENDAN SMIALOWSKIAFP via Getty Images_trumpwalking Brendan Smialowski/AFP via Getty Images

مسيح مارالاجو

تل أبيب ــ يقول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه "المختار"، ويحظى هذا التصريح بموافقة العديد من أنصاره الإنجيليين. لكن عندما وقف ترمب حاملا الإنجيل (الكتاب المقدس) بيده أمام كنيسة سانت جون الأسقفية التاريخية في واشنطن العاصمة، بعد أن استخدمت قوات الشرطة دروع مكافحة الشغب والغاز المسيل للدموع لتطهير المنطقة من المحتجين السلميين، فقد بدا في هيئة أقرب إلى حِـمار يسوع المسيح منه إلى مُـخَـلِّـص. وبعيدا عن تحرير حضارة متهاوية، يدفع ترمب حضارة قائمة إلى نقطة الانهيار، فيخلق على وجه التحديد ذلك النوع من الفوضى التي يعتقد كثيرون من أنصاره الإنجيليين أنها ستسبق ــ وتستلزم ــ وصول مسيح مُـخَـلِّـص.

خاض ترمب حملة الترشح للرئاسة في عام 2016 على وعد "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى". وتتعهد حملته لإعادة انتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني، بكل الغطرسة الساذجة التي بتنا نتوقعها منه، بـ"الإبقاء على أميركا عظيمة".

تُـرى أهذه أميركا ذاتها التي تواجه احتجاجات واسعة النطاق ضد العنصرية الجهازية الشاملة ووحشية الشرطة، والتي يقوم فيها ضباط إنفاذ القانون، الذين يفترض أن يحافظوا على السلام، بإذكاء نيران العنف على نحو روتيني؟ أهي أميركا حيث تقتل قوات الشرطة الرجال من ذوي البشرة السوداء بمعدل 2.5 مرة مثل من تقتلهم من ذوي البشرة البيضاء؟

هل يشير ترمب إلى أميركا التي تعيش في خِـضَـم أسوأ فاشية لمرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) في العالم، حيث يموت السود بمعدلات أعلى كثيرا من نظرائهم البيض؟ أهي أميركا حيث يعيش 44 مليون إنسان بلا تأمين صحي، وحيث لا يحظى 38 مليونا بالتغطية الصحية الكافية؟ أهي أميركا التي خسرت تحت قيادة ترمب احترام أصدقائها وحلفائها وشركائها، وأصبحت أضحوكة ومادة للسخرية على المستوى الدولي؟

من المؤكد أن مشاكل أميركا لم تبدأ مع ترمب. كان نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة معطلا منذ فترة طويلة، وكانت فجوة التفاوت في اتساع لعقود من الزمن، وكانت وحشية الشرطة دائما جزءا من الحياة الأميركية، في حين كانت العنصرية الجهازية متأصلة في الأساس الذي قامت عليها الدولة. وكانت ادعاءات الولايات المتحدة في ما يتصل بالزعامة الأخلاقية موضع تساؤل وتشكيك قبل فترة طويلة من دخول ترمب البيت الأبيض.

لكن إذا كانت الولايات المتحدة عبارة عن علبة ثِـقاب تعج بالعنصرية، والتفاوت بين الناس، والسياسات المعطلة، فإن ترمب هو الذي أشعل هذا الـثِـقاب ــ ثم اعتبر نفسه غير مسؤول عن الحرائق الناجمة عن فعلته. فقد أعلن، عندما سُـئِـل عن استجابة الحكومة البطيئة لأزمة كوفيد-19: "أنا لا أتحمل المسؤولية على الإطلاق".

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

الأسوأ من ذلك أن ترمب استمر في صب الزيت على النار. فقد قلل من شأن شدة الجائحة، وحَـرَّضَ المحتجين المناهضين للإغلاق، ورَوَّج لعلاجات غير مؤكدة وربما تكون بالغة الخطورة.

عندما اندلعت الاحتجاجات في مختلف أنحاء البلاد بعد مقتل جورج فلويد على يد الشرطة في منيابوليس، هدد ترمب بنشر القوات المسلحة ضد الأميركيين، مما دفع الجنرال جون ألِـن، وهو من كبار قادة المؤسسة العسكرية، إلى التحذير من أن مثل هذا التحرك قد يشير إلى "بداية نهاية التجربة الأميركية". وفي دعوة عنصرية وقحة إلى الحشد، كرر ترمب عبارة منسوبة إلى والتر هيدلي، قائد شرطة ميامي أثناء الاضطرابات المدنية في عام 1967: "عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار".

كان سلوك ترمب صادما، لكنه لم يكن مفاجئا. فقد دأب على استغلال أشد عيوب أميركا عمقا منذ وصل إلى المشهد السياسي، فعمل على إذكاء نيران الاستقطاب السياسي والثقافي لإرضاء قاعدته الجماهيرية، بما في ذلك مكونها الكبير الذي يتألف من المتعصبين من أنصار تفوق ذوي البشرة البيضاء. في ذات الوقت، عمل على الإبقاء على قبضته على الحزب الجمهوري بالاستعانة بتركيبة تقليدية من التخفيضات الضريبية وإلغاء الضوابط التنظيمية والتي استفاد منها بشكل ساحق أغنى أغنياء أميركا وشركاتها الضخمة. وعلى مدار أربع سنوات متتالية، حولت إدارته المال العام من شبكة الأمان الاجتماعي والتعليم إلى المؤسسة العسكرية. والآن أصبحت ميزانية الدفاع الأميركية هي الأكبر على الإطلاق منذ الحرب العالمية الثانية، باستثناء بضع سنوات في أوج حرب العراق.

ربما يكون من المعقول أن يتساءل المرء، لماذا يدجج ترمب أميركا بالسلاح؟ فقد تنازل عن الزعامة الأميركية العالمية وترك الصين تشغل الفراغ دون أن تطلق رصاصة واحدة. وهو لم يكتف بالتخلي عن الأعراف الدبلوماسية، وطرد وخيانة الحلفاء، والتنمر على الدول بالعقوبات والتهديدات. بل انسحب أيضا من اتفاقيات دولية، مثل الاتفاق النووي مع إيران (المعروف رسميا بخطة العمل الشاملة المشتركة) واتفاق باريس للمناخ.

من منظور الأوروبيين ــ الذين اختلفوا مع ترمب بشأن معظم هذه القرارات ــ لم تعد الولايات المتحدة تصلح كمصدر للقيادة الاستراتيجية أو الأخلاقية. بل إنها قد لا تصلح حتى عضوا زميلا في المجتمع عبر الأطلسي. جاء رفض المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مؤخرا لدعوة ترمب لها لحضور مؤتمر قمة مجموعة الدول السبع ليظهر مدى تدهور العلاقات. لم يَـعُـد أحد يستسيغ صداقة ترمب سوى الهازئين اليائسين من أمثال رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، والكاذبين الإنجيليين مثل رئيس البرازيل جايير بولسونارو، والـمُـدَّعين مثل رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، والبلطجية المتنمرين من أمثال رئيس الفلبين رودريجو دوتيرتي.

هناك طريقة واحدة فقط لإصلاح سمعة أميركا، واستعادة ثقة الحلفاء، وضمان قدرة الولايات المتحدة على العمل كثِـقَـل موازن فعّال للصين: معالجة الأسباب الجذرية وراء التصدعات التي كشفت عنها رئاسة ترمب الكارثية وعملت على توسيعها. يتماشى هذا مع الرؤية التي قدمها في عام 2011 اثنان من الخبراء الاستراتيجيين العسكريين، النقيب واين بورتر والعقيد مارك ميكلبي، اللذان استخدما الاسم المستعار "السيد واي".

زعم بورتر وميكلبي أن الأمن الوطني لا يعتمد على القدرة على الرد على التهديدات التي تفرضها قوى أجنبية، بل يعتمد أيضا ــ وربما بشكل أكثر أهمية ــ على "توظيف النفوذ والقوة على نحو جدير بالثقة". ويعتمد هذا النفوذ بدوره على نجاح أميركا في تزويد المواطنين الأميركيين بـ"مسار مبشر" ــ وتقديم نموذج للعالم يقتدي به.

تتطلب مثل هذه القوة الناعمة أن تعمل حكومة الولايات المتحدة على الترويج للقيم المدنية، وتعزيز القدرة التنافسية والإبداع، وحماية البيئة، والاستثمار في الخدمات الاجتماعية، والرعاية الصحية، والثقافة، والتعليم، وتوفير الفرص للأجيال الأكثر شبابا. بعبارة أخرى، ينبغي لها أن تلاحق عكس أهداف أجندة ترمب.

الواقع أن ترمب هو النقيض التام لذلك النوع من القادة الذي اعـتَـقَـدَ ماكس ويبر أنه ينبغي "السماح له بوضع يده على عجلة التاريخ". ويبدو أن قسما كبيرا من الأميركيين يدركون هذا: فقد كانت مستويات قبوله أو شعبيته في تدهور لأسابيع. لكن فوز ترمب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني يظل احتمالا حقيقيا.

ولا ينبغي لأحد أن يستسلم لأي أوهام بشأن المخاطر. إن الفوز بولاية أخرى لأربع سنوات قد يشجع ترمب على التصرف بشكل أقل مسؤولية، بل وربما يتسم سلوكه بالإجرام، فيجعل إرثه السام غير قابل للإصلاح.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/fHmKusWar