skidelsky141_GettyImages_moneyinoldbook Getty Images

سقوط إمبراطورية أهل الاقتصاد

لندن ــ كان المؤرخ نورمان ستون، الذي توفي في يونيو/حزيران، يصر دوما على أن يتعلم دارسو التاريخ لغات أجنبية، فاللغة تمنحنا القدرة على التعرف على ثقافة الشعوب، والثقافة تقودنا إلى الإلمام بتاريخ الشعوب. وتاريخ الشعوب ينبئنا بالكيفية التي ترى بها أنفسها وغيرها من الشعوب. وعلى هذا ينبغي لمعرفة اللغات أن تكون عنصرا أساسيا في المعدات الفنية التي يستعين بها أي مؤرخ. إنها المفتاح إلى فهم ماضي ومستقبل العلاقات الدولية.

لكن هذا الإيمان بالأهمية الجوهرية لمعرفة لغات بعينها تلاشى الآن، حتى بين المؤرخين. تبدأ كل العلوم الاجتماعية، بدرجة أو أخرى، بالتوق إلى لغة عالمية يمكن من خلالها استيعاب مثل هذه الخصائص بما يتناسب مع نظرتها للأشياء. وبالتالي فإن نموذج المعرفة الذي تستعين به هذه العلوم يطمح إلى اكتساب دقة وعمومية العلوم الطبيعية. وبمجرد أن نفهم السلوك البشري في ما يتصل بمبدأ عالمي، وغير تاريخي بوجه خاص، يصبح بوسعنا أن نطمح إلى السيطرة عليه (وتحسينه بطبيعة الحال).

لم يستسلم أي عِلم اجتماعي لهذا الإغراء كما استسلم له علم الاقتصاد. فلغته العالمية المفضلة هي الرياضيات. ولا يقوم نموذجه في فهم السلوك البشري على الملاحظة الدقيقة، بل يستند إلى فرضيات إن لم تكن منتزعة من الهواء فإنها منتزعة بلا وعي من البيئات الفكرية والسياسية التي يسكنها أهل الاقتصاد. ثم تشكل هذه الفرضيات المقدمات المنطقية للتفكير العقلاني من قبيل "كل الأغنام بيضاء، وعلى هذا فإن أي أغنام تالية أصادفها ستكون بيضاء". وفي الاقتصاد: "كل البشر عقلانيون واعون يسعون إلى تعظيم المنفعة. وعلى هذا فإنهم سيتصرفون في أي موقف على نحو يسمح بتعظيم المنفعة التي تعود عليهم". الواقع أن هذه الطريقة تمنح عِلم الاقتصاد قوة تنبؤية فريدة، خاصة وأن كل المنافع يمكن التعبير عنها واستغلالها كميا. وهذا من شأنه أن يجعل الاقتصاد، على حد تعبير بول صامويلسون، "مَلِك العلوم الاجتماعية".

https://prosyn.org/gOFLXbPar