lopes10_Adam GaultGetty Images_africa Adam Gault/Getty Images

لماذا يجب أن تقود أفريقيا جهود مكافحة هروب رؤوس الأموال؟

كيب تاون/أوكسفورد- تُظهر وثائق باندورا، وهي أقصى الجهود التي بذلت حتى الآن في مجال التحقيق بشأن التمويل الخارجي، مدى خطورة التحدي الذي تشكله التدفقات المالية غير المشروعة بالنسبة لأفريقيا. وتكشف الوثائق أن العديد من الأفارقة المرموقين يحتفظون بأصول في مراكز مالية كبرى بالخارج، بمساعدة عوامل تمكين مهنية توفر لهم السرية، وتضمن لهم حماية الأصول وإعفاءات ضريبية آمنة.

وأظهر التحقيق أيضًا أن مثل هذه الخدمات الخارجية ليست محصورة في أشهر الملاذات الضريبية. وقد تبين أن واضعي المعايير الدولية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة (بصورة مباشرة وعبر أقاليمها الخارجية) هي جهات مالية خارجية رئيسية، مما يوضح النفاق الكامن وراء مناقشات الإصلاح التي أجريت على مدى العقد الماضي. وتتضمن أوراق باندورا أدلة أخرى تشير إلى أن المراكز المالية الآسيوية أصبحت أيضًا جهاتا خارجية مهمة، مما يؤكد الطبيعة العالمية للمشكلة.

وأظهرت بعض المبادرات الأفريقية قيادة مبكرة في تقييم القضية وتطوير الحلول الممكنة. وكان منتدى إدارة الضرائب الأفريقية، الذي أنشئ في عام 2008 ويضم 38 دولة أفريقية، جهة فاعلة بارزة في قضايا الإصلاح الضريبي. واجتمع الفريق الرفيع المستوى المعني بالتدفقات المالية غير المشروعة من أفريقيا، وهو جهد مشترك بين الاتحاد الأفريقي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، لأول مرة في عام 2012، وأصدر تقريرًا نوقش كثيرًا بشأن هذا الموضوع، في عام 2015. آنذاك، كان يبدو أن التمويل الخارجي سيكون جزءًا منتظمًا من مناقشات الاتحاد الأفريقي. ولسوء الحظ، فقد بدأ يختفى من جدول الأعمال.

ويبدو أنه، في السنوات القليلة الماضية، انتقلت القيادة في مجال مكافحة التهرب من دفع الضرائب وتجنبها إلى المنظمات الدولية مثل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، التي أطلقت برنامجها بشأن الشفافية الضريبيةفي أفريقيا في عام 2014. وفي القارة نفسها، تضطلع وسائل الإعلام المستقلة بدورأكبر. إذ اشترك في إنجاز أوراق باندورا 53 صحفيًا أفريقيًا يعملون في 18 دولة، وغالبًا ما يشتغلون في ظروف صعبة للغاية. كما تنشط منظمات المجتمع المدني مثل شبكة العدالة الضريبية في أفريقيا في هذا المجال. ولكن الحكومات الأفريقية والمنظمات الدولية التي تتخذ من إفريقيا مقراً لها امتنعت عن المبادرات الكبرى.

ونتيجة لذلك، لا توجد هيئة أفريقية متعددة الأطراف تقود الطريق لحل المشكلة، وكانت افتراضات المنظمات الأفريقية التي كانت تعمل بنشاط منذ خمس سنوات متواضعة. ومن الصعب تجنب الشعور بأن العديد من الأغنياء والأقوياء في القارة ليس لديهم حافز كبير للتنازل عن الترتيبات التي مكنتهم من نقل أصولهم وإخفائها وحمايتها. وفضلا عن ذلك، يشير محاموهم ومستشاروهم الماليون إلى أن العديد من هذه الممارسات ليست قانونية فحسب، بل هي شائعة أيضا بين الشركات متعددة الجنسيات التي تمارس نشاطها في إفريقيا، وخاصة في الصناعات الاستخراجية. ووفقًا لهذا المنطق، لا يوجد سبب يمنع الأفارقة من الاستفادة من الاستراتيجيات المنتشرة في النظام المالي العالمي.

إن عدم اهتمام الدول الأفريقية بالتمويل غير المشروع يعززه التصور القائل بأنه في في معظم البلدان، غالبا ما لا يؤثر التهرب الضريبي على الرأي العام. وفي أحسن الأحوال، يفترض القادة أنه يمكن إدارة أي تأثير للقضية على ثقة عامة الناس. وهم مخطئون بالتأكيد، خاصة فيما يتعلق بالناخبين الشباب، لكن وجهة النظر هذه تحدد نهجهم غير الملتزم.

Secure your copy of PS Quarterly: The Climate Crucible
PS_Quarterly_Q3-24_1333x1000_No-Text

Secure your copy of PS Quarterly: The Climate Crucible

The newest issue of our magazine, PS Quarterly: The Climate Crucible, is here. To gain digital access to all of the magazine’s content, and receive your print copy, subscribe to PS Premium now.

Subscribe Now

إننا نرحب بالدور الذي تضطلع به المنظمات الخارجية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني الأفريقي فيما يتعلق بمكافحة التهرب من دفع الضرائب وتجنبها في الخارج. ولكن افتقار الحكومات الأفريقية للمبادرة بشأن هذه القضية أمر مؤسف. ومما يثير القلق أن غياب استجابة أفريقية جماعية قوية يدعو الأطراف الخارجية إلى تشكيل عملية الإصلاح بطرق يرجَح أن تستمر في تفضيل القوى الصناعية الرائدة. وهذا الاتجاه واضح بالفعل في الطريقة التي تستهدف بها تسمية الملاذات الضريبية وفضحها الدول الصغرى، وتتجاهل عوامل التمكين الهامة للتدفقات المالية غير المشروعة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

ورغم أن بعض الدول الأفريقية لن تكون أبدًا في طليعة جهود الإصلاح في هذا المجال، ينبغي أن ترفع الجهات التي وقعت ضحية مثل هذه التدفقات أصواتها والعمل معًا للضغط من أجل اتخاذ إجراء عالمي. وتشمل الجهود الحالية الشبكة البرلمانية الأفريقية بشأن التدفقات المالية غير المشروعة والضرائب، وهي تضم ممثلين من 11 دولة. ويمكن للمنظمات الأخرى التي اضطلعت بدور مهم في وقت سابق، مثل الاتحاد الأفريقي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، أن تجدد هي أيضاً التزامها. ويمكن استخدام المساعي متعددة الأطراف مثل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، والتي تشكَل حاليًا بدعم قوي بين الحكومات، لتوحيد القواعد الضريبية وتجنب المنافسة نحو الهاوية لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.

إن التدفقات المالية غير المشروعة تحرم الحكومات من الموارد التي تحتاجها لتوفير السلع العامة-بما في ذلك التعليم، والرعاية الصحية، والبنية التحتية للتجارة والاتصالات- التي تعتبر حيوية للنمو الاقتصادي والازدهار على المدى الطويل. إن اهتمام إفريقيا بكبح المشكلة واضح تماما كما هي واضحة حاجة القيادة الأفريقية لحلها.

ترجمة: نعيمة أبروش    Translated by Naaima Abarouch

https://prosyn.org/RgIMrAwar