gourinchas1_ALFREDO ESTRELLAAFP via Getty Images_mexicocoronaviruslockdownquarantine Alfredo Estrella/AFP via Getty Images

جائحة كورونا وقنبلتها الزمنية: التخلف عن سداد الديون

بيركلي/شيكاغو ــ في غياب قرار شامل بتأجيل سداد الديون، فسوف تُـفضي جائحة فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19 COVID-19) إلى موجة من التخلف غير المنضبط عن سداد الديون السيادية، وخاصة بين الاقتصادات الناشئة والنامية. وإذا حدث هذا، فسوف تفشل الجهود العالمية لاحتواء أزمة الصحة العامة، وقد يتحول الانهيار الاقتصادي الحالي إلى انحدار دائم.

تواجه البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء أزمة اقتصادية غير مسبوقة مع إغلاق الشركات والأعمال وفقدان العمال دخولهم. وقد يؤدي انكماش بهذا القدر من الجسامة إلى إحداث ضرر هائل طويل الأمد، مع اختفاء روابط اقتصادية بالغة الأهمية. وسوف تتوقف عشرات الشركات عن العمل بشكل دائم ما لم يُـتَّـخَـذ إجراء عاجل. لتحقيق هذه الغاية، أقـر الكونجرس الأميركي مؤخرا حزمة إنقاذ بقيمة 2 تريليون دولار، في حين تدعم الحكومتان الدنماركية والكندية على سبيل المثال 75% من رواتب الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في البلدين. من ناحية أخرى، عملت الصين على توسيع الائتمان وألغت الضرائب على الرواتب، وأعلنت للتو عن حزمة إنقاذ تبلغ قيمتها نحو تريليون دولار.

لكن أزمة فيروس كورونا تفرض مشاكل أكبر على الاقتصادات الناشئة مثل الهند والمكسيك، حيث التكاليف الاقتصادية المترتبة على التباعد الاجتماعي أعلى من مثيلاتها في الولايات المتحدة وأوروبا، وحيث تشكل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم المعرضة للخطر، والتي تحتفظ باحتياطيات نقدية منخفضة، حصة أكبر كثيرا من الاقتصاد. وأنظمة الرعاية الصحية في مثل هذه البلدان أضعف كثيرا. وقد تصل الأموال المطلوبة لدعم العمال والشركات الضعيفة، فضلا عن معالجة مرضى كوفيد-19، إلى 10% من ناتجها المحلي الإجمالي.

من أين قد تأتي كل هذه الأموال؟ تستطيع بعض الاقتصادات المتقدمة، مثل الولايات المتحدة، أن تقترض مبالغ أكبر كثيرا بتكلفة إضافية قليلة. لكن بعض هذا التمويل يأتي من مستثمرين أجانب يبحثون عن الأمان المالي، وبعضه من مستثمري القطاع الخاص الأميركيين الذين يصفون ممتلكاتهم الأجنبية. بعبارة أخرى، يأتي التمويل الذي تحتاج إليه أميركا وغيرها من الاقتصادات المتقدمة جزئيا من دول مثل المكسيك.

علاوة على ذلك، على النقيض من الأزمة المالية العالمية التي اندلعت عام 2008، تحتاج كل الاقتصادات الناشئة والنامية الآن إلى الاقتراض في ذات الوقت بالضبط. لذا، فحتى لو كانت المكسيك قادرة على إصدار سندات، فإنها ستتنافس مع بلدان أخرى كثيرة في ذات الوضع. إنها حقيقة مؤسفة، لكن البلدان ليس لديها أي جهة أخرى تقترض منها سوى الدول الأخرى.

إذا تُـرِكَ الأمر للأسواق المالية، فإنها ستختار الفائزين والخاسرين. وسوف تكون الدول التي تتمتع بالقدرة الكافية لإصدار سندات آمنة هي الفائزة. فسوف تتمكن من اقتراض مبالغ ضخمة بأسعار فائدة شديدة الانخفاض. وسوف تكون البلدان المماثلة للمكسيك هي الخاسرة. الواقع أن مثل هذه البلدان ستجد ذاتها في معضلة مزدوجة: فهي لن تكون عاجزة عن جمع الأموال للتعامل مع الأزمة وحسب، بل إن رؤوس الأموال ستنتقل بعيدا عنها أيضا، كما بدأ يحدث بالفعل، على وجه التحديد بسبب الاقتراض من قِـبَـل الولايات المتحدة، والصين، والدول الأوروبية. لا عجب إذن أن أكثر من 90 دولة اتصلت بالفعل بصندوق النقد الدولي طلبا للمساعدة المالية.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

الواقع أن سلسلة من حالات التخلف غير المنضبطة عن سداد الديون السيادية الآن، في وقت حيث تحتاج حكومات البلدان النامية إلى إنفاق مبالغ ضخمة للحفاظ على صحة مواطنيها واقتصاداتها، سوف يترتب عليها تكاليف إنسانية واقتصادية هائلة، فضلا عن تضاؤل فرصنا بشدة في احتواء الجائحة بنجاح. ففي النهاية، يتطلب احتواء الفيروس في أي مكان احتواءه في كل مكان.

لتجنب نتيجة كارثية، يحتاج العالم على وجه السرعة إلى تحرك جماعي قوي. تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن تمويل الاقتصادات الناشئة يتطلب في المجمل جمع 2.5 تريليون دولار، لكن هذا الرقم يبدو منخفضا. لكن موارد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي محدودة للغاية حاليا على أية حال. ولابد من ملاحقة جهود تعزيز قوة صندوق النقد الدولي ــ التي تبلغ حاليا تريليون دولار فقط ــ بكل قوة.

في غضون ذلك، ينبغي لصندوق النقد الدولي أن يعمل على درء الموجة القادمة من حالات التخلف عن سداد الديون السيادية من خلال تنسيق قرار بتأجيل سداد الديون على نطاق واسع. وسوف يقضي قرار التأجيل بتعليق كل مدفوعات الديون السيادية المستحقة للدائنين من القطاع العام والخاص على الاقتصادات الناشئة والنامية التي تطلب مثل هذا التجميد، وسوف يظل القرار ساريا إلى أن تمر الأزمة الصحية.

تشير تقديراتنا إلى أن تجميد الديون لمدة عام واحد من الممكن أن يحرر ما يصل إلى تريليون دولار، أو 3.3% من مجموع دخل البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل ــ وهذا الرقم أكبر كثيرا من 14 مليار دولار كان ليتم تحريرها بواسطة قرار تأجيل السداد المقترح والذي يقتصر على مدفوعات الديون المستحقة على الدول الأفقر فقط للدائنين من القطاع العام. هذا من شأنه أن يقطع شوطا طويلا نحو مساعدة دول مثل المكسيك والهند في التصدي للأزمة الحالية.

رغم أن بعض المراقبين ربما يعترضون بحجة أن قرار وقف سداد الديون من شأنه أن يوقف أغلب الإقراض الخاص لهذه البلدان، فإن مثل هذه التدفقات الرأسمالية توقفت بالفعل أو انقلب اتجاهها. ورغم أن قرار وقف سداد الديون قد يمنع مثل هذه البلدان من دخول أسواق رأس المال الدولية لفترة طويلة، فإن الوصمة في هذه المناسبة لابد أن تكون أقل كثيرا، لأن قرار وقف السداد سَـيُـفـرَض نتيجة لجائحة عالمية وليس التبذير المالي. ولابد أن تكون إجازة الطبع من قِبَل صندوق النقد الدولي مفيدة أيضا.

سيكون احتمال موافقة الدائنين من القطاع الخاص على قرار وقف سداد الديون أكثر ترجيحا بمجرد أن يفهموا أن البديل هو سلسلة من حالات التخلف غير المنضبط عن السداد، وهو ما لن يساعدهم في تحقيق أرباحهم النهائية. إن قرار وقف السداد يحافظ على خيار تجنب إعادة هيكلة الديون الرسمية إذا تحسنت الظروف الاقتصادية بعد الجائحة.

يجري الآن إصدار قسم كبير من هذا الدين السيادي بموجب القانون المحلي، والذي يمكن تعديله. أما الديون الصادرة بموجب قانون أجنبي وبدون شروط العمل الجماعي فهي أكثر إشكالية. في هذه الحالة، يمكن تغيير قوانين الحصانة السيادية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مؤقتا للسماح للقضاة بإنهاء الدعاوى القضائية التي يقيمنها الرافضون ضد البلدان التي يشهد صندوق النقد الدولي بأنها غير قادرة على سداد ديونها الحالية نظرا للجائحة. وسوف يصب مثل هذا الحل في المصلحة الاجتماعية والاقتصادية للدول الغنية أيضا.

أثناء أزمة ديون أميركا اللاتينية في ثمانينيات القرن العشرين، استغرق الدائنون عشر سنوات تقريبا للدخول في مناقشات جادة في إطار خطة برادي. ولابد أن تكون هذه المرة مختلفة. فنحن في احتياج إلى تنسيق وقف واسع النطاق لسداد الديون على الفور لتجنب عقد آخر ضائع (أو عقدين) من البلدان المشابهة للمكسيك.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/5e5KfmOar