Hassan Rouhani, President of Iran. Dirk Waem/Belga via ZUMA Press

مساع إيرانية لاغتصاب السلطة في سوريا والسعودية ترد

الرياض ــ إن توجيه الدعوة إلى إيران للمشاركة في الجولة القادمة من المحادثات بشأن الأزمة السورية في فيينا بالنمسا ــ وهي الدعوة التي أعيد التأكيد عليها الأسبوع الماضي ــ لن يمر دون أن يخلف عواقب بعيدة المدى. الواقع أن الحكومة الإيرانية الحالية تحاول قلب موازين القوى التي ظلت ثابتة طوال 1400 عام ــ ومن المؤكد أن المملكة العربية السعودية، باعتبارها مهد العالم الإسلامي، لن تسمح لها بذلك.

يرجع الخلاف بين إيران والمملكة العربية السعودية، القوتين الشيعية والسُنّية الأكثر بروزاً في المنطقة، على التوالي، إلى جذور عميقة. وإذا كان لنا أن نفهم حقيقة ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط اليوم ــ وليس في سوريا فحسب ــ فيتعين علينا أن نضع في الاعتبار منشأ الانقسام السُنّي الشيعي، والخلاف العربي الفارسي، وصراعات الماضي حول حاكمية الإسلام.

انقسم الإسلام بين سُنّة وشيعة بعد وفاة النبي محمد [صلى الله عليه وسلم] ومواجهة ضرورة اختيار خليفة له. فقد شعر أغلب أتباع النبي محمد [صلى الله عليه وسلم]، الذين أصبحوا يُعرَفون بمسمى المسلمين السُنّة، أن المؤمنين لابد أن يؤسسوا قرارهم على القدرة، فدعموا اختيار كبار الصحابة لأبي بكر [رضي الله عنه]، والد زوجة النبي محمد [صلى الله عليه وسلم]. ولكن مجموعة منشقة صغيرة، والتي عُرِفَت لاحقاً بمسمى المسلمين الشيعة، أصرت على أن الخليفة الجديد لابد أن تربطه بالنبي قرابة الدم، فقرروا بالتالي أن زوج ابنته وابن عمه علي بن أبي طالب [رضي الله عنه] (الخليفة الرابع في نظر السُنّة) هو خليفته الشرعي. واليوم، 90% من كل المسلمين سُنّة و10% منهم شيعة.

وبينما تتابعت فصول هذا الخلاف، كانت تجري وقائع الفتح الإسلامي لبلاد فارس، والذي بدأ بعد عام واحد من وفاة النبي [صلى الله عليه وسلم] عام 632 ميلادية. ومنيت الإمبراطورية الساسانية الفارسية، التي كانت منهكة مالياً وعسكرياً بعد عقود من الحرب مع الإمبراطورية البيزنطية، بهزيمة حاسمة في معركة القادسية عام 636.

وفي العام التالي، فَرّ الإمبراطور الإيراني يزدجرد الثالث إلى إقليم خراسان الحدودي. وبدأ تعريب بلاد فارس، مع اتخاذ الفرس لأسماء عربية وتحولهم إلى الإسلام. وبحلول عام 651، أصبحت كل المراكز الحضرية الرئيسية تقريباً في بلاد فارس تحت سيطرة عربية، الأمر الذي أضاف قدراً كبيراً من الزخم لعملية التحول.

وكان التحول الجماعي إلى الإسلام بين الفرس بمثابة الخطوة الأولى نحو إقامة أول خلافة إسلامية (الدولة السياسية الدينية التي تضم أراضي المسلمين كافة). وفي فترات مختلفة من التاريخ، امتدت الخلافة إلى آسيا، وأفريقيا، وأجزاء من أوروبا. وتُعَد المحاولات التي تبذلها قوى متعددة تسعى إلى فرض سيطرتها على الخلافة أو استعادتها موضوعاً متكرراً طوال التاريخ الإسلامي. وما يسمى الدولة الإسلامية حالياً ليس سوى أحدث مثال على تلك المحاولات.

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions
PS_Sales_Spring_1333x1000_V1

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions

Subscribe now to gain greater access to Project Syndicate – including every commentary and our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – starting at just $49.99.

Subscribe Now

كان كل الفرس تقريباً حتى عام 1500 من المسلمين السُنّة. ثم بدأ الشاه إسماعيل ــ أول شاه لإيران ومؤسِس الدولة الصفوية ــ سياسة وحشية تمثلت في إرغام المسلمين الفرس على التحول إلى المذهب الشيعي، من أجل تمييز نسخته من إمبراطورية فارس عن الخلافة العثمانية السُنّية الأكثر قوة في القسطنطينية.

ومن الواضح أن هذا التاريخ لا زال يوجه أفعال إيران اليوم. يُعَد الإيرانيون، بوصفهم مسلمين شيعة، أقلية داخل المجتمع الإسلامي، وهو الواقع الذي يجعلهم يشعرون بأنهم مضطهدون. وبدلاً من تقبل وضعهم كأقلية، حاولت حكومات إيرانية عديدة ترسيخ هيمنة بلادها في العالم العربي.

بطبيعة الحال، لا تمثل إيران أقلية ضئيلة من المسلمين فحسب؛ بل إن الإيرانيين ليسوا من العرب. ومن غير المفهوم بالتالي أن يملوا على الدول العربية بأي صفة ماذا ينبغي لها أن تفعل. بيد أن هذا لم يمنع حكومة إيران من محاولة تطويع روافع الإسلام، على المستويين السياسي والعقيدي. وهي تحاول، باستخدام المجموعات الشيعية في البلدان العربية، بسط سيطرتها عليها، ويتمثل هدفها النهائي في الاستيلاء على الحرمين الأكثر قداسة في الإسلام، مكة والمدينة، اللذين يمارس العاهل السعودي عليهما سلطته بوصفه خادم الحرمين الشريفين.

الواقع أن المملكة العربية السعودية تعلم، باعتبارها الدولة الأكثر نفوذاً في العالم السُنّي، كل ما يحتاجه الأمر لتقييد إيران. ففي عام 2011، اضطر تحالف من دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية إلى تحييد تمرد شيعي برعاية إيران في البحرين. وهذا العام في اليمن (الدولة ذات الأغلبية السُنية)، يقاتل تحالف تقوده السعودية متمردين حوثيين من الشيعة الزيدية، والذين سلحتهم إيران من أجل الاستيلاء على البلاد واكتساب موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية.

وفي سوريا ــ الدولة ذات الأغلبية السُنّية، حيث ازدهرت ذات يوم خلافة إسلامية سُنّية، وهي الدولة الأموية ــ تنفق إيران مليارات الدولارات لدعم نظام الرئيس بشار الأسد، والذي يهيمن عليه أعضاء طائفة الأقلية الشيعية من العلويين (المعروفين تاريخياً بالنصيرية).

لقد تسببت أفعال أنصار الأسد حتى الآن في مقتل أكثر من 270 ألف إنسان، ونزوح أكثر من سبعة ملايين داخليا، وإرغام ما يقرب من أربعة ملايين شخص على الفرار، وتركت ما يقرب من 12 مليوناً آخرين في حاجة ماسة للمساعدة، هذا فضلاً عن تمكين ــ بل وتغذية ــ صعود تنظيم الدولة الإسلامية، ومعه التهديد المتنامي للنظام العالمي، كما أظهرت على نحو مأساوي الهجمات الإرهابية المتتالية في شرم الشيخ، وبيروت، وباريس. وعلى هذه الخلفية، سوف تواصل قيادة المملكة العربية السعودية ــ بصرف النظر عن النتائج المؤقتة التي قد تتحقق من خلال محادثات فيينا ــ العمل الجاد لضمان استبعاد الأسد من السلطة ووضع حد للفوضى أخيرا.

الحق أن كل ما تقدمه إيران للعالم من إرهاب، وحروب وكالة، وشحنات أسلحة، وطموحات نووية، وأوهام عظمة يشكل جزءاً من صراع قديم نال منه السعوديين ما فيه الكفاية. ولهذا السبب، يشرف الملك سلمان على أكبر برنامج لاقتناء العتاد والتوسع العسكري في تاريخ المملكة العربية السعودية. ولن توقف المملكة العربية السعودية هذه الجهود حتى تتخلى إيران ــ ووكلاؤها من الشيعة ــ عن أوهامها الثورية وتبدأ في العمل على جلب السلام والاستقرار إلى الشرق الأوسط والعالم العربي الأوسع.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/7RJ9Alqar