adelman6_Jeff SwensenGetty Images_trump Jeff Swensen/Getty Images

أي نوع من الاستبداد قد نشهد إذا حَـكَـمَ ترمب؟

كمبريدج ــ في أعقاب فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، توقع عدد كبير من الخبراء انهيار الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم، وحذر بعض منهم من اندلاع حرب أهلية. ولكن باستثناء منطقة الساحل في أفريقيا، تظل الانقلابات العسكرية في العالَـم نادرة، والحروب الأهلية أكثر نُـدرة. بل كانت الديمقراطيات أميل إلى الانهيار بفعل انقلابات مدنية.

في حقبة ما بعد الحرب الباردة، كانت مثل هذه الانقلابات تتخذ ثلاثة أشكال. اجتذب اثنان منها قدرا كبيرا من اهتمام وسائل الإعلام؛ أما الشكل الذي ينبغي أن يثير أعظم قدر من القلق والانزعاج، وخاصة في ضوء شبح عودة ترمب إلى السلطة في أوائل عام 2025، فلم يسترع ذات القدر من الاهتمام.

يتمثل النموذج الأول للتقهقر الديمقراطي في رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان. فبعد أن أَقَـرَّ قانونا إعلاميا صارما بعد عودته إلى السلطة في عام 2010، استخدم أوربان وحزبه السياسي، فيدس، كل منفذ إعلامي رئيسي للتلاعب بالخوف من المهاجرين والناشطين من "مجتمع الميم" وتصوير رئيس الوزراء على أنه منقذ أو مخلص وطني. يستغل أوربان أيضا التوترات الإقليمية، مثل الحرب الدائرة في أوكرانيا، للضغط على الرعاة ــ في كل من روسيا والاتحاد الأوروبي ــ للحصول على الموارد اللازمة لتمويل الإنفاق الاجتماعي الباذخ.

وأخيرا، أعاد حزب فيدس كتابة القواعد الانتخابية في المجر لضمان حصوله على أغلبية برلمانية لا جدال فيها. وبالتالي فإن هذا النموذج لا يعتمد على القوة، بل على التلاعب والقدرة على تفكيك الضوابط والتوازنات من خلال العملية السياسية.

عندما بدأ الإعلامي الأميركي اليميني تاكر كارلسون يحتفل علنا بنموذج أوربان، خشي كثيرون أن يلقى النظام المجري الاستحسان من جانب المحافظين في مختلف أنحاء العالم. لكن هذا لم يحدث، لأن قِلة من أنصار أوربان خارج المجر هم من تمكنوا من تطويع الأسلحة الثلاثة، وخاصة قوة الحزب الجماهيري.

أما الشكل الثاني من التراجع الديمقراطي فهو الأكثر شيوعا، ويمكن رصده في دول كبرى، مثل روسيا تحت حكم فلاديمير بوتن، وفي دول صغيرة، مثل نيكاراجوا تحت حكم دانييل أورتيجا. في هذا النموذج، تؤدي أزمة وطنية دراماتيكية إلى ظهور رجل قوي، وليس حركة، لقيادة البلاد وإنشاء شبكة من المحسوبية على هيئته.

PS Events: Climate Week NYC 2024
image (24)

PS Events: Climate Week NYC 2024

Project Syndicate is returning to Climate Week NYC with an even more expansive program. Join us live on September 22 as we welcome speakers from around the world at our studio in Manhattan to address critical dimensions of the climate debate.

Register Now

في كل من روسيا ونيكاراجوا، جاءت الفرصة من انهيار اقتصادي. يبالغ الرجل القوي في الحديث عن التهديدات، وخاصة من جانب أمريكا، ويستخدم العزلة لترسيخ سلطته. على سبيل المثال، كان بوتن يصادر أصول الشركات الأجنبية لتوزيعها على الأصدقاء وكأنها غنائم حرب إقطاعية، في حين يعتمد على البلطجة لتكميم أفواه المعارضة الداخلية.

والنتيجة ظهور شبكة من المحاسيب المقربين الذين يعتمدون على الزعيم والانتخابات الاحتفالية التي تتسم بالإقبال الضعيف. وبدلا من الاعتماد على حزب مؤسسي مثل حزب أوربان، فإنهم يحولون الدولة إلى عمل عائلي أو بين أصدقاء، ويحميها قَـتَـلة مأجورون يستقلون سيارات دفع رباعي عندما تقتضي الضرورة.

كان هذا النموذج الثاني أيضا أكثر ندرة مما كان كثيرون يخشون سابقا. تعني استراتيجية العائلة والأصدقاء الناجحة ضمنا أن المؤسسات الديمقراطية كانت ضعيفة بالفعل، وأن المعارضة واهنة. ويعتمد القطاع الخاص على الدولة، وهذه الأخيرة ــ وخاصة النظام القضائي ــ معرضة للوقوع أسيرة. وفي ظل وجود قِلة من القوى السياسية البديلة أو القواعد المؤسسية للسلطة، يصبح المجال المتاح للمناورة من جانب الزعيم فسيحا.

صحيح أن الضوابط والتوازنات من الممكن أن تتدهور تدريجيا وترجح كفة الفرص والحظوظ لصالح الزعيم. لكنها في الأغلب تميل إلى الصمود، ويرجع هذا جزئيا إلى أن الراغبين في الزعامة في ظل نظام مؤسسي جيد يحفزون تحالفات المعارضة التي تنهض لإحباطهم، كما حدث مع ترمب في عام 2020.

لا شك أن ترمب ومؤيديه انتبهوا إلى هذا الدرس، ولهذا السبب يتعين علينا أن ننتبه للشكل الثالث من التوغل الاستبدادي. إنه لا يعتمد على الأحزاب المهيمنة ولا على الحكام الفاسدين المستبدين، لكنه لا يزال يستغل حالات الطوارئ الوطنية (الحقيقية أو المصطنعة). بين الدعاة المعاصرين لهذا النهج رجل السلفادور القوي، ناييب بوكيلي، الذي ابتكر قواعد اللعبة التي ينبغي أن تثير قلق الديمقراطيين. بعد سنوات من المتاعب، أصبح اقتصاد السلفادور مزدهرا، حيث تعمل التحويلات المالية والإنفاق العام السخي على تعزيز الاستهلاك الخاص.

علاوة على ذلك، أصبحت حرب العصابات سيئة السمعة في البلاد شيئا من الماضي. فقد عمل مزيج من الرشاوى لزعماء العصابات وسجن أعداد كبيرة من أفرادها على نشر السلام في أرجاء البلاد. في مارس/آذار 2022، علق بوكيلي بعض الحريات المدنية، وخاصة الإجراءات القانونية الواجبة في التعامل مع المجرمين المزعومين. اعتقلت الشرطة ما يقرب من 70 ألف شخص، معظمهم من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و30 عاما، للاشتباه في انتمائهم إلى عصابات.

نتيجة لهذا، يتمتع بوكيلي بمعدلات تأييد تجعله موضع حسد أهل السياسة في كل مكان. لقد أزاح جانبا القيود الدستورية التي تمنعه من الترشح لولاية ثانية، وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أنه سيفوز بإعادة انتخابه في فبراير/شباط بنسبة مذهلة تصل إلى 68.4% من الأصوات.

يتقبل نموذج نظام الاستثناء هذا رسميا أهمية القواعد والضوابط والتوازنات، بل ويتسامح إلى حد ما مع الاختلاف والمعارضة الداخلية. في الواقع، يشير أنصار الاستثنائية إلى القواعد والضوابط والتوازنات لتبرير نظامهم. والحجة هنا أنه على الرغم من أهمية القيود الحيوية للجمهوريات في الأوقات العادية، فإن حالات الطوارئ تستلزم تعليقها. "هل ترى؟ الكونجرس لا يؤدي وظيفته. هل ترى؟ أصبحت حدودنا غرابيل للرعاع. هل ترى؟ لقد اجتاحت الأفكار اليسارية مؤسساتنا العزيزة". لقد عمل بوكيلي، من خلال تحويل صلاحيات الطوارئ إلى حكم شبه دائم، على إنشاء نظام جديد، نظام يعفي نفسه من القيود باسم استعادة الجمهورية.

هذا هو الطريق إلى الاستبداد الذي ينبغي له أن يثير قلقنا مع احتدام سباق ترمب إلى البيت الأبيض. إذا فاز، فإن كتاب قواعد لعبة الحكم لن يأتي من المجر. فالحزب الجمهوري متصدع، والديمقراطيون أقوياء، والولايات الأميركية أكثر مرونة من أن تتوافق مع هذا. ولن يكون خيار تحويل الحكم إلى عمل تجاري بين الأصدقاء والعائلة متاحا لترمب؛ ذلك أن القطاع الخاص في الولايات المتحدة مستقل ومعقد للغاية، وقد أسفرت محاولاته السابقة في البلطجة عن نتائج عكسية في ساحة لافاييت وفي السادس من يناير/كانون الثاني.

مع ذلك، تظل تصورات الخطر على الحدود، والأعراف الهشة في المؤسسات الثقافية، والإرهاق من الحرب في أوكرانيا، والمستنقع في الكونجرس، تعمل على تشجيع ترمب على تبني نهج أكثر اعتمادا على العضلات. الواقع أن استغلال حالة الاستثناء يشكل نَـصَّـا مفيدا للحكم في أوقات انعدام اليقين. فهي تسمح بتنفيذ تدابير متطرفة دون إنهاء الديمقراطية الرسمية، وتحول الانتباه نحو الأمن (خاصة على الحدود) دون فرض الأحكام العرفية. كما أنها، وفي المقام الأول من الأهمية، تتغذى على خيبة الأمل في الديمقراطية دون أن تتبرأ منها.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/F0Zx6voar