كوبنهاجن ــ يروج كثيرون لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الذي تستضيفه مدينة باريس في وقت لاحق من هذا الشهر باعتباره فرصة لإنقاذ كوكب الأرض. ولكنه ليس أي شيء من هذا القبيل. فكما بينت في دراسة بحثية جديدة خضعت لمراجعة الأقران، لن يسفِر الاتفاق الذي ينتظر العالم التوصل إليه في باريس، حتى في حال نجاحه، إلا عن خفض درجات الحرارة بحلول عام 2100 بما لا يتجاوز 0.05 درجة مئوية، والحد من ارتفاع مستوى سطح البحر بما لا يتجاوز 1.3 سم.
قد يبدو هذا مدهشا: فنحن نسمع بلا انقطاع كيف بذلت كل دولة تعهدات قوية بخفض الانبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون ــ أو ما يسمى "المساهمات المعتزمة المحددة على المستوى الوطني". ووفقاً لرئيسة قسم المناخ في الأمم المتحدة، كريستينا فيجيريس، فإن "المساهمات المعتزمة المحددة على المستوى الوطني قادرة على الحد من ارتفاع درجات الحرارة المتوقع إلى نحو 2.7 درجة مئوية بحلول عام 2011، وهو ليس المستوى الكافي بأي حال من الأحوال ولكنه أدنى كثيراً من الارتفاع المقدر بنحو أربع إلى خمس درجات مئوية أو أكثر من قِبَل كثيرين سابقا".
وقد اقترحت فيجريريس أن اتفاق باريس سوف يقتطع ما يقرب من درجتين مئويتين من الارتفاع في درجات الحرارة، من 4.5 درجة مئوية إلى 2.7 درجة مئوية. ورغم أنها صاغت عباراتها بحيث تتجنب التصريح بهذا فعليا، فإن هذا هو ما بلغ أسماع أغلب الناس كما هو متوقع. بيد أن هذا الخفض يتألف بالكامل تقريباً من أرقام ملفقة والتفكير المتمني.
يستند الارتفاع المتوقع بنحو 4.5 درجة مئوية على ما يقرب من عشرة ألاف مليار طن من ثاني أكسيد الكربون المنبعث خلال هذا القرن، مع تحويل كل غازات الانحباس الحراري العالمي الأخرى إلى معادلات لثاني أكسيد الكربون. ولكن لا أحد يصدق هذا الرقم حقا ــ فحتى تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة تشير إلى أنه في غياب أي سياسات على الإطلاق للتعامل مع المناخ، فسوف يطلق البشر نحو 7750 مليار طن، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية بنحو 3.8 درجة مئوية. وهذا يعني أن النسبة الزائدة (0.7 من الدرجة المئوية) مختَلَقة ببساطة: ولا تملك سياسات المناخ أن تنسب الفضل إليها في خفضها، لأنها ما كانت لتحدث أبداً في المقام الأول.
إن الإبقاء على الارتفاع في درجة الحرارة عند مستوى 2.7 درجة مئوية سوف يتطلب أن يعمل العالم على الحد من الانبعاثات بحيث لا تتجاوز 4700 مليار طن. أي أن الوفاء بوعد فيجيريس يستلزم أن نتوقع من مؤتمر باريس أن يتولى خفض نحو 3000 مليار طن. وهو ما لن يحدث.
وتشير تقديرات المنظمة التي تعمل بها فيجيريس ذاتها إلى أن إجمالي خفض الانبعاثات الموعود في الفترة من 2016 إلى 2030 سوف يبلغ نحو 29 إلى 33 جيجا طن، أو ما يعادل 1% مما هو مطلوب لتقييد ارتفاع درجات الحرارة بحيث لا يتجاوز 2.7 درجة مئوية. ويعتمد تحقيق الـ99% المتبقية على الطموح بأن البلدان، حتى برغم أن أقل القليل سوف يحدث في الفترة من عام 2016 إلى 2030، سوف تسارع بعد ذلك مباشرة إلى تصعيد الجهود والبدء بتنفيذ تخفيضات كبرى. والحق أن التاريخ الحديث يجعل هذا أمراً غير محتمل وغير قابل للتصديق.
At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.
Subscribe Now
في عام 1997، عندما وقع العالم على بروتوكول كيوتو، توقع الجميع تقريباً أن يكون مجرد خطوة أولى نحو الخفض العميق للانبعاثات. بيد أن الخفض المتصور في باريس بحلول عام 2030 أعلى بنحو الثلث مما وعد به بروتوكول كيوتو. أما معاهدة كيوتو، التي لم تلزم الدول النامية بأي إجراء، فقد أعيد التفاوض عليها مراراً وتكراراً إلى الحد الذي جعلها في النهاية لا تطالب بأي خفض على الإطلاق. وقد انسحبت منها الولايات المتحدة، وهجرتها في نهاية المطاف أيضاً كندا وروسيا واليابان. وبعد مرور 12 عاما، انتهت التوقعات الكبرى إلى الفشل الذريع في قمة المناخ في كوبنهاجن عام 2009.
ولا يقل عن ذلك استغراقاً في الوهم أن نتعلق بالأمل في أن البلدان لن تفي بوعودها في باريس حتى عام 2030 فحسب، بل وسوف تواصل خفض الانبعاثات طوال القرن الحادي والعشرين. وليس هذا ما تعرضه الحكومات على أية حال. فالولايات المتحدة على سبيل المثال تعلن بوضوح أن "هدفها هو لسنة واحدة فقط: 2025". وبوسعنا حتى أن نفترض أن الدول التي تحاول خفض انبعاثاتها لن تنقل الإنتاج الكثيف الاستخدام للطاقة إلى بلدان أخرى. (بموجب بروتوكول كيوتو، يتسرب نحو 40% من الانبعاثات على هذا النحو، مع الدوران حول الخفض الواجب في الاتحاد الأوروبي بالكامل عبر زيادة الواردات من الصين فحسب). وبوسعنا أن نصدق أن كل دولة منفردة سوف تفي بكل وعد بذلته.
ولكن حتى في ظل هذه الافتراضات البطولية، لن يتجاوز إجمالي خفض درجة الحرارة 0.17 درجة مئوية، وهو رقم متواضع للغاية. ويكشف نموذج بسيط لارتفاع مستوى سطح البحر أننا ربما نتجنب ارتفاع يقدر بنحو 2.6 سم. ورغم إمكانية خفض أكثر من 500 مليار طن من الانبعاثات، فسوف يظل الخفض أقل من وعد فيجيريس بنحو 2500 مليار طن.
يستشيط العديد من دعاة حماية البيئة غضباً عندما يبين تحليلي العلمي أن مؤتمر باريس لا يمثل أهمية تُذكَر. والواقع أن غضبهم يثير الدهشة، لأن الحسابات بسيطة: فنحن نأمل خفض 3000 مليار طن من الانبعاثات ولكننا لا نتعهد بأكثر من 30 مليار طن، ويشير التاريخ بقوة إلى أن حتى هذه الوعود من غير المرجح أن تتحقق.
ولكن جنباً إلى جنب مع قسم كبير من مؤسسة سياسة المناخ، استثمر النشطاء عقدين من الزمن في دفع عملية كيوتو-كوبنهاجن-باريس، والتي لم تسلم حتى الآن إلا أقل القليل. ويبدو أن التفكير القائم على التمني أسهل كثيراً من الاعتراف بالعيوب التي تشوب نهجهم.
فكما رأينا في كيوتو، يزعم كثيرون أن الدول سوف تذهب إلى ما هو أبعد من وعودهم في العقود المقبلة. واقترحت الولايات المتحدة أنها قد تخفض انبعاثاتها بنسبة 80% بحلول عام 2050. ورغم هذا فإن متوسط كل النماذج الاقتصادية في استخدام الطاقة يشير إلى أن مثل هذا الخفض سيكلف أكثر من تريليون دولار بقيمته اليوم سنويا، في حين تقترب التكاليف السنوية الواقعية من 2.5 تريليون دولار.
وعلى نحو مماثل، تعهد الاتحاد الأوروبي بخفض 80% من الانبعاثات على الأقل بحلول عام 2050؛ ولكن مرة أخرى، تشير تقديرات سبعة نماذج إلى تكاليف تتراوح بين 3 إلى 6 تريليونات دولار ــ وهو ما قد يعادل ربع الناتج المحلي الإجمالي لأوروبا. وتشير مثل هذه التكاليف إلى أن التخفيضات المقترحة، في ضوء التوقعات التكنولوجية الحالية، ليست سوى أماني بعيدة المنال.
كان وعد الصين بالوصول إلى ذروة الانبعاثات بحلول عام 2030 تقريباً موضوعاً لقد كبير من البحث والمناقشة. والواقع أنني لم أدرج هذا الوعد ضمن حساباتي، لأنه في الوقت الراهن مجرد موقف سياسي استعراضي في الأغلب، وبعيد عن إحداث أي تأثير في العالم الحقيقي بما لا يقل عن خمسة عشر إلى عشرين عاما. بيد أنني أدرجت في حساباتي وعد الصين لخفض الانبعاثات بنحو 2 مليار طن بحلول عام 2030، وسوف يتكلف هذا نحو 200 مليار دولار سنويا.
تشير النماذج إلى أن بلوغ ذروة الانبعاثات بحلول عام 2030 ربما يكلف الصين في نهاية المطاف نحو 500 مليار إلى تريليون دولار بقيمته اليوم سنوياً بحلول عام 2050. ولأن بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من غير المرجح أن تلحق الأذى بنفسها اقتصادياً من أجل تحقيق أهداف بعد عام 2030 لم تكن صادقة عندما تعهدت بها، فليس من المنطقي أن نتوقع من الصين أن تفعل ذلك. بيد أن ذروة الصين ليست على هذا القدر من الأهمية الشديدة، ذلك أنها لن تخفض الانبعاثات بأكثر من 300 مليار طن تقريبا، أو أقل قليلاً مما يعادل 0.1 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.
الواقع أن النهج الذي نتبناه في التعامل مع تغير المناخ مفلِس. وسوف يكلف اتفاق باريس العالم في الأرجح تريليون دولار سنوياً على الأقل، ولكنه رغم ذلك لن يحقق سوى خفض ضئيل لدرجات الحرارة بحلول نهاية القرن. وينبغي لنا أن نتقبل حقيقة مفادها أن محاولة جعل الوقود الأحفوري باهظة إلى حد يصبح معه استخدامه مستحيلاً لن تفلح أبدا. وينبغي لنا بدلاً من ذلك أن نجعل الطاقة الخضراء رخيصة إلى الحد الذي يصبح من الصعب معه مقاومتها.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
At the end of a year of domestic and international upheaval, Project Syndicate commentators share their favorite books from the past 12 months. Covering a wide array of genres and disciplines, this year’s picks provide fresh perspectives on the defining challenges of our time and how to confront them.
ask Project Syndicate contributors to select the books that resonated with them the most over the past year.
كوبنهاجن ــ يروج كثيرون لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الذي تستضيفه مدينة باريس في وقت لاحق من هذا الشهر باعتباره فرصة لإنقاذ كوكب الأرض. ولكنه ليس أي شيء من هذا القبيل. فكما بينت في دراسة بحثية جديدة خضعت لمراجعة الأقران، لن يسفِر الاتفاق الذي ينتظر العالم التوصل إليه في باريس، حتى في حال نجاحه، إلا عن خفض درجات الحرارة بحلول عام 2100 بما لا يتجاوز 0.05 درجة مئوية، والحد من ارتفاع مستوى سطح البحر بما لا يتجاوز 1.3 سم.
قد يبدو هذا مدهشا: فنحن نسمع بلا انقطاع كيف بذلت كل دولة تعهدات قوية بخفض الانبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون ــ أو ما يسمى "المساهمات المعتزمة المحددة على المستوى الوطني". ووفقاً لرئيسة قسم المناخ في الأمم المتحدة، كريستينا فيجيريس، فإن "المساهمات المعتزمة المحددة على المستوى الوطني قادرة على الحد من ارتفاع درجات الحرارة المتوقع إلى نحو 2.7 درجة مئوية بحلول عام 2011، وهو ليس المستوى الكافي بأي حال من الأحوال ولكنه أدنى كثيراً من الارتفاع المقدر بنحو أربع إلى خمس درجات مئوية أو أكثر من قِبَل كثيرين سابقا".
وقد اقترحت فيجريريس أن اتفاق باريس سوف يقتطع ما يقرب من درجتين مئويتين من الارتفاع في درجات الحرارة، من 4.5 درجة مئوية إلى 2.7 درجة مئوية. ورغم أنها صاغت عباراتها بحيث تتجنب التصريح بهذا فعليا، فإن هذا هو ما بلغ أسماع أغلب الناس كما هو متوقع. بيد أن هذا الخفض يتألف بالكامل تقريباً من أرقام ملفقة والتفكير المتمني.
يستند الارتفاع المتوقع بنحو 4.5 درجة مئوية على ما يقرب من عشرة ألاف مليار طن من ثاني أكسيد الكربون المنبعث خلال هذا القرن، مع تحويل كل غازات الانحباس الحراري العالمي الأخرى إلى معادلات لثاني أكسيد الكربون. ولكن لا أحد يصدق هذا الرقم حقا ــ فحتى تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة تشير إلى أنه في غياب أي سياسات على الإطلاق للتعامل مع المناخ، فسوف يطلق البشر نحو 7750 مليار طن، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية بنحو 3.8 درجة مئوية. وهذا يعني أن النسبة الزائدة (0.7 من الدرجة المئوية) مختَلَقة ببساطة: ولا تملك سياسات المناخ أن تنسب الفضل إليها في خفضها، لأنها ما كانت لتحدث أبداً في المقام الأول.
إن الإبقاء على الارتفاع في درجة الحرارة عند مستوى 2.7 درجة مئوية سوف يتطلب أن يعمل العالم على الحد من الانبعاثات بحيث لا تتجاوز 4700 مليار طن. أي أن الوفاء بوعد فيجيريس يستلزم أن نتوقع من مؤتمر باريس أن يتولى خفض نحو 3000 مليار طن. وهو ما لن يحدث.
وتشير تقديرات المنظمة التي تعمل بها فيجيريس ذاتها إلى أن إجمالي خفض الانبعاثات الموعود في الفترة من 2016 إلى 2030 سوف يبلغ نحو 29 إلى 33 جيجا طن، أو ما يعادل 1% مما هو مطلوب لتقييد ارتفاع درجات الحرارة بحيث لا يتجاوز 2.7 درجة مئوية. ويعتمد تحقيق الـ99% المتبقية على الطموح بأن البلدان، حتى برغم أن أقل القليل سوف يحدث في الفترة من عام 2016 إلى 2030، سوف تسارع بعد ذلك مباشرة إلى تصعيد الجهود والبدء بتنفيذ تخفيضات كبرى. والحق أن التاريخ الحديث يجعل هذا أمراً غير محتمل وغير قابل للتصديق.
HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.
Subscribe Now
في عام 1997، عندما وقع العالم على بروتوكول كيوتو، توقع الجميع تقريباً أن يكون مجرد خطوة أولى نحو الخفض العميق للانبعاثات. بيد أن الخفض المتصور في باريس بحلول عام 2030 أعلى بنحو الثلث مما وعد به بروتوكول كيوتو. أما معاهدة كيوتو، التي لم تلزم الدول النامية بأي إجراء، فقد أعيد التفاوض عليها مراراً وتكراراً إلى الحد الذي جعلها في النهاية لا تطالب بأي خفض على الإطلاق. وقد انسحبت منها الولايات المتحدة، وهجرتها في نهاية المطاف أيضاً كندا وروسيا واليابان. وبعد مرور 12 عاما، انتهت التوقعات الكبرى إلى الفشل الذريع في قمة المناخ في كوبنهاجن عام 2009.
ولا يقل عن ذلك استغراقاً في الوهم أن نتعلق بالأمل في أن البلدان لن تفي بوعودها في باريس حتى عام 2030 فحسب، بل وسوف تواصل خفض الانبعاثات طوال القرن الحادي والعشرين. وليس هذا ما تعرضه الحكومات على أية حال. فالولايات المتحدة على سبيل المثال تعلن بوضوح أن "هدفها هو لسنة واحدة فقط: 2025". وبوسعنا حتى أن نفترض أن الدول التي تحاول خفض انبعاثاتها لن تنقل الإنتاج الكثيف الاستخدام للطاقة إلى بلدان أخرى. (بموجب بروتوكول كيوتو، يتسرب نحو 40% من الانبعاثات على هذا النحو، مع الدوران حول الخفض الواجب في الاتحاد الأوروبي بالكامل عبر زيادة الواردات من الصين فحسب). وبوسعنا أن نصدق أن كل دولة منفردة سوف تفي بكل وعد بذلته.
ولكن حتى في ظل هذه الافتراضات البطولية، لن يتجاوز إجمالي خفض درجة الحرارة 0.17 درجة مئوية، وهو رقم متواضع للغاية. ويكشف نموذج بسيط لارتفاع مستوى سطح البحر أننا ربما نتجنب ارتفاع يقدر بنحو 2.6 سم. ورغم إمكانية خفض أكثر من 500 مليار طن من الانبعاثات، فسوف يظل الخفض أقل من وعد فيجيريس بنحو 2500 مليار طن.
يستشيط العديد من دعاة حماية البيئة غضباً عندما يبين تحليلي العلمي أن مؤتمر باريس لا يمثل أهمية تُذكَر. والواقع أن غضبهم يثير الدهشة، لأن الحسابات بسيطة: فنحن نأمل خفض 3000 مليار طن من الانبعاثات ولكننا لا نتعهد بأكثر من 30 مليار طن، ويشير التاريخ بقوة إلى أن حتى هذه الوعود من غير المرجح أن تتحقق.
ولكن جنباً إلى جنب مع قسم كبير من مؤسسة سياسة المناخ، استثمر النشطاء عقدين من الزمن في دفع عملية كيوتو-كوبنهاجن-باريس، والتي لم تسلم حتى الآن إلا أقل القليل. ويبدو أن التفكير القائم على التمني أسهل كثيراً من الاعتراف بالعيوب التي تشوب نهجهم.
فكما رأينا في كيوتو، يزعم كثيرون أن الدول سوف تذهب إلى ما هو أبعد من وعودهم في العقود المقبلة. واقترحت الولايات المتحدة أنها قد تخفض انبعاثاتها بنسبة 80% بحلول عام 2050. ورغم هذا فإن متوسط كل النماذج الاقتصادية في استخدام الطاقة يشير إلى أن مثل هذا الخفض سيكلف أكثر من تريليون دولار بقيمته اليوم سنويا، في حين تقترب التكاليف السنوية الواقعية من 2.5 تريليون دولار.
وعلى نحو مماثل، تعهد الاتحاد الأوروبي بخفض 80% من الانبعاثات على الأقل بحلول عام 2050؛ ولكن مرة أخرى، تشير تقديرات سبعة نماذج إلى تكاليف تتراوح بين 3 إلى 6 تريليونات دولار ــ وهو ما قد يعادل ربع الناتج المحلي الإجمالي لأوروبا. وتشير مثل هذه التكاليف إلى أن التخفيضات المقترحة، في ضوء التوقعات التكنولوجية الحالية، ليست سوى أماني بعيدة المنال.
كان وعد الصين بالوصول إلى ذروة الانبعاثات بحلول عام 2030 تقريباً موضوعاً لقد كبير من البحث والمناقشة. والواقع أنني لم أدرج هذا الوعد ضمن حساباتي، لأنه في الوقت الراهن مجرد موقف سياسي استعراضي في الأغلب، وبعيد عن إحداث أي تأثير في العالم الحقيقي بما لا يقل عن خمسة عشر إلى عشرين عاما. بيد أنني أدرجت في حساباتي وعد الصين لخفض الانبعاثات بنحو 2 مليار طن بحلول عام 2030، وسوف يتكلف هذا نحو 200 مليار دولار سنويا.
تشير النماذج إلى أن بلوغ ذروة الانبعاثات بحلول عام 2030 ربما يكلف الصين في نهاية المطاف نحو 500 مليار إلى تريليون دولار بقيمته اليوم سنوياً بحلول عام 2050. ولأن بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من غير المرجح أن تلحق الأذى بنفسها اقتصادياً من أجل تحقيق أهداف بعد عام 2030 لم تكن صادقة عندما تعهدت بها، فليس من المنطقي أن نتوقع من الصين أن تفعل ذلك. بيد أن ذروة الصين ليست على هذا القدر من الأهمية الشديدة، ذلك أنها لن تخفض الانبعاثات بأكثر من 300 مليار طن تقريبا، أو أقل قليلاً مما يعادل 0.1 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.
الواقع أن النهج الذي نتبناه في التعامل مع تغير المناخ مفلِس. وسوف يكلف اتفاق باريس العالم في الأرجح تريليون دولار سنوياً على الأقل، ولكنه رغم ذلك لن يحقق سوى خفض ضئيل لدرجات الحرارة بحلول نهاية القرن. وينبغي لنا أن نتقبل حقيقة مفادها أن محاولة جعل الوقود الأحفوري باهظة إلى حد يصبح معه استخدامه مستحيلاً لن تفلح أبدا. وينبغي لنا بدلاً من ذلك أن نجعل الطاقة الخضراء رخيصة إلى الحد الذي يصبح من الصعب معه مقاومتها.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali