soros119_SAMUEL CORUMAFP via Getty Images_supremecourt Samuel Corum/AFP via Getty Images

الديمقراطية هدف للهجوم في الولايات المتحدة

نيويورك ــ كانت الولايات المتحدة دولة ديمقراطية دائمة التطور منذ تأسست في عام 1776، لكن بقاءها كديمقراطية أصبح الآن مهددا بمخاطر جسيمة. وكانت مجموعة من التطورات غير المترابطة في الداخل والخارج مسؤولة عن هذه الأزمة.

من الخارج، يهدد الولايات المتحدة نظامان قمعيان بقيادة شي جين بينج في الصين وفلاديمير بوتن في روسيا واللذان يريدان فرض شكل استبدادي من الحكم على العالم.

لكن الخطر الذي يهدد الولايات المتحدة من قِـبَـل أعداء محليين للديمقراطية أعظم. بين هؤلاء الأعداء المحليين المحكمة العليا الحالية، التي يهيمن عليها متطرفون يمينيون، وحزب دونالد ترمب الجمهوري، الذي وضع أولئك المتطرفين في المحكمة.

ولكن ما الذي يؤهل غالبية أعضاء المحكمة كمتطرفين؟ لا يقتصر الأمر على قرارهم بإلغاء الحكم الصادر في قضية رو ضد ويد، وهي القضية التاريخية التي اعترفت في عام 1973 بحق المرأة في اختيار الاحتفاظ بحملها أو إجهاضه. ما يؤهلهم كمتطرفين هو الحجج التي استخدموها لتبرير قرارهم وإشاراتهم التي أعربت عن المدى الذي قد يذهبون إليه في وضع هذه الحجج موضع التنفيذ.

استند القاضي صمويل إليتو، مُـنشئ رأي الأغلبية، في حكمه إلى التأكيد على أن التعديل الرابع عشر يحمي فقط تلك الحقوق التي كانت جائزة ومباحة في عموم الأمر في عام 1868، عندما جرى التصديق على التعديل. لكن هذه الحجة تهدد العديد من الحقوق الأخرى التي أُقِـرَّت منذ ذلك الحين، وبينها حق استخدام موانع الحمل، والزواج من ذات الجنس، وحقوق مجتمع الميم LGBTQ (الذي يضم مثليي الجنس، ومزدوجي التوجه الجنسي، والمتحولين جنسيا، والمغايرين جنسيا).

بالوصول إلى نتيجته المنطقية، فإن هذا الاستدلال الفكري قد يسمح للدول بحظر الزواج بين الأعراق، كما كانت بعض الدول تفعل حتى عام 1967، من الواضح أيضا أن هذه المحكمة تعتزم شن هجوم مباشر على السلطة التنفيذية. الواقع أن واحدا من أهم الأحكام الصادرة خلال فترة انعقاد المحكمة التي انتهت للتو كان حرمان وكالة حماية البيئة من سلطة إصدار اللوائح المنظمة اللازمة لمكافحة تغير المناخ.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

لن يستغرق الأمر وقتا طويلا للتوصل إلى القاسم المشترك في قرارات المحكمة الأخيرة: دعم القضايا التي روج لها حزب ترمب الجمهوري وإضعاف أو تجريم القضايا التي يناصرها الحزب الديمقراطي. لنتأمل هنا قوانين الأسلحة النارية. يُـصـغي الجناح الراديكالي في المحكمة بإنصات شديد إلى جماعات الضغط المناصرة لحمل الأسلحة النارية. وعلى هذا، فبرغم أن وباء إطلاق النار على حشود والذي تفشى مؤخرا خلق ذلك النوع من الاحتجاج الوطني الذي دفع حتى بعض الجمهوريين إلى تأييد وضع قانون فيدرالي جديد لتنظيم حمل الأسلحة النارية، فقد عوضت المحكمة الجمعية الوطنية للبنادق عن الخسارة بإلغاء القانون الساري في نيويورك والذي كان يفرض قيودا صارمة على حمل الأسلحة النارية الشخصية التي يمكن إخفاؤها (سارعت ولاية نيويورك على الفور إلى إقرار قوانين جديدة لتنظيم حمل الأسلحة، والتي من المرجح أن ينتهي بها المطاف إلى العرض على المحكمة العليا).

كانت المحكمة العليا بين أكثر المؤسسات فوزا بالاحترام في الولايات المتحدة. ولكن من خلال قراراتها الأخيرة، دفعت الأغلبية المتطرفة شعبية المحكمة إلى مستويات متدنية تاريخيا، ومعدلات رفض المحكمة إلى مستويات غير مسبوقة من الارتفاع. جاء نص الرأي المعارض في القضية التي ألغت الحكم الصادر في قضية رو ضد ويد قاطعا في الإشارة إلى أن قرار الأغلبية "يقوض شرعية المحكمة". ولكن من المؤسف أن الأقلية من المرجح أن تظل أقلية لفترة طويلة، لأن المتطرفين أصغر سنا ويتمتعون بأغلبية 6 إلى 3.

هناك طريقة واحدة فقط لكبح جماح المحكمة العليا: الإطاحة بالحزب الجمهوري بأغلبية ساحقة. هذا من شأنه أن يسمح للكونجرس بحماية الحقوق المعهود بها إلى المحكمة العليا لحمايتها من خلال التشريع. الآن بات من الواضح أن القيام بذلك كان خطأ جسيما. يتعين على الكونجرس أن يتحرك، بدءا بحماية حق النساء في الاختيار. وإذا لزم الأمر تعديل ضوابط المماطلة السياسية (تعطيل التصويت)، فليكن.

ولكن عندما يتعلق الأمر بتنظيم انتصار ساحق ضد الجمهوريين المتطرفين، يواجه المعارضون عقبات يكاد يكون من المستحيل التغلب عليها. لم يكتف الجمهوريون بشغل أغلب مقاعد المحكمة العليا والعديد من المحاكم الأدنى بقضاة متطرفين. ففي ولايات مثل فلوريدا، وجورجيا، وتكساس، استنوا مجموعة كبيرة من القوانين التي تجعل التصويت شديد الصعوبة.

بينما تركز هذه القوانين على حرمان الأميركيين الأفارقة وغيرهم من الأقليات والناخبين الشباب في عموم الأمر من حقوقهم، فإن هدفها الأساسي يتلخص في مساعدة الجمهوريين على الفوز في الانتخابات. كما كتب قاض اتحادي في فلوريدا مؤخرا في حيثيات إلغاء أحد هذه القوانين، فقد جرى استنانها "بقصد إعادة ترتيب نظام الانتخابات في فلوريدا بطرق تحابي الحزب الجمهوري على الحزب الديمقراطي".

كانت هذه القوانين لتعد سيئة بالقدر الكافي حتى لو اكتفت باستهداف من يمكنهم الإدلاء بأصواتهم. لكن الجمهوريين يسعون الآن إلى المزيد، من خلال مهاجمة عملية فرز الأصوات والتصديق على الانتخابات. فمن تغيير القانون بغرض تسهيل جهود تخريب النظام الانتخابي، إلى تجنيد المؤمنين بكذبة ترمب الكبرى بأن انتخابات 2020 سُـرِقَـت منه للإشراف على العملية برمتها، نشاهد الجمهوريين يهاجمون نظامنا القضائي من كل زاوية. وهنا أيضا، قامت المحكمة العليا المتطرفة بدورها، بإفراغ قانون حقوق التصويت الفيدرالي من مضمونه والسماح بإعادة تقسيم الدوائر على نحو صريح لإضعاف قوة تصويت الأقليات.

ما يدعو إلى التفاؤل أنني لست وحدي في الزعم بأن بقاء الديمقراطية في الولايات المتحدة مهدد بدرجة خطيرة. أثار قرار إلغاء الحكم في قضية رو غضب الرأي العام الأميركي. لكن الناس يجب أن يفهموا هذا القرار على حقيقته: فهو جزء من خطة موضوعة بعناية لتحويل الولايات المتحدة إلى نظام قمعي.

يتعين علينا أن نبذل قصارى جهدنا لمنع تنفيذ هذه الخطة. ومن الأهمية بمكان أن ينضم إلى هذه المعركة عدد كبير من الأشخاص الذين أعطوا صوتهم لصالح ترمب في الماضي. أنا من أنصار الحزب الديمقراطي، لكن هذه ليست قضية حزبية، بل تتعلق بإعادة تأسيس نظام سياسي فعال يتألف من حزبين والذي يكمن في قلب الديمقراطية الأميركية.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/x6KLyOuar