مكسيكو سيتي ـ مع استمرار الاضطرابات في اجتياح أسواق المال في العالم، يتنامى إدراك جديد مفاده أن المشاكل الاقتصادية العالمية تستلزم حلولاً عالمية وحكماً عالمياً أفضل. في شهر مارس/آذار الماضي، ووسط الاضطرابات والتقلبات المالية الأخيرة، مر بنا إنجاز كبير في هذا السياق دون أن يلحظه أو يلتفت إليه عدد كبير من الناس. يتلخص هذا الإنجاز في توصل اللجنة التنفيذية لصندوق النقد الدولي إلى الاتفاق على صيغة جديدة للحصص العالمية وزيادة حصص الدول الأعضاء التي لم توف حقها في التمثيل، وخاصة الأسواق الناشئة والدول النامية.
فبموجب هذا التحرك، منح صندوق النقد الدولي هذه الدول صوتاً أقوى في المؤسسة الدولية الرئيسية المسئولة عن ضمان الاستقرار المالي ـ وبالتالي في الاقتصاد العالمي ذاته. وهذا القرار الذي اتخذ بعد ما يقرب من العامين من المفاوضات الفنية رفيعة المستوى، والتي جرت سراً في بعض الأحيان، يتضمن اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي سيتغير بموجبها أسلوب توزيع الحصص العالمية (والتي تتقرر على ضوئها قوة التصويت في صندوق النقد الدولي).
في نهاية المطاف، لم يتجاوز مقدار التحول في قوة التصويت من الدول المتقدمة إلى الدول النامية 2.7%. ما السبب إذاً وراء أهمية هذا التحول؟
حين أتحدث بصفتي كطرف أساسي شهد العملية من الداخل (باعتباري عضواً سابقاً في اللجنة التنفيذية لصندوق النقد الدولي)، وبصفتي كشخص من خارج المنظمة (باعتباري وزيراً لمالية المكسيك حالياً)، فقد كان بوسعي أن أنتبه إلى ثلاث نقاط تستأهل الاهتمام.
أولاً، سوف يرتفع تمثيل عدد كبير من الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي ـ 54 دولة على وجه التحديد. فحصة كوريا على سبيل المثال سوف تزيد بنسبة 106%، كما ستتضاعف حصة كل من الصين وتركيا. وستزيد حصة كل من البرازيل، والهند، والمكسيك بنسبة 40%. وهذه الزيادات تشكل إشارة مهمة إلى أن العالم بدأ أخيراً في إدراك الدور المعزز الذي تلعبه الدول الناشئة النشيطة في الاقتصاد العالمي. وفي نفس الوقت، لم تتجاهل الترتيبات الجديدة مشاركة الدول صغيرة الحجم، وأغلبها من بين الدول الأفقر في العالم: إذ يدعو اتفاق صندوق النقد الدولي الأخير إلى مضاعفة ما يطلق عليه "الأصوات الأساسية" إلى ثلاثة أمثالها، وهو ما يضمن الاستماع إلى صوت هذه الدول بشكل أكثر وضوحاً.
ثانياً، كان اتفاق الحصص مجرد بداية، حيث أنه يدرك أن تمثيل الدول لابد وأن يتكيف وفقاً للتغيرات الطارئة على الاقتصاد العالمي في المستقبل. فينص الاتفاق على تعديل أنصبة التجارة العالمية وحصص التصويت كل خمسة أعوام، وهو الأمر الذي سيسفر عن المزيد من الارتفاع في حصص الدول ذات التمثيل الأدنى من حجمها. وهذا يعني أن هذا الاتفاق، على العكس من العديد من الاتفاقيات الدولية في الماضي، يتسم بالحركة وليس الجمود.
At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.
Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.
Subscribe Now
أخيراً، يتسم هذا الاتفاق بروح التسوية التي ساعدت في التوصل إليه. فقد وافق عدد كبير من الدول المتقدمة، ومنها ألمانيا وأيرلندا وإيطاليا واليابان ولوكسمبورغ والولايات المتحدة، على التنازل عن جزء من الزيادة في حصصها المستحقة. وفي نفس الوقت حقق الاتفاق الأمنية التي طالما تمنتها الدول النامية ـ استخدام أسعار الصرف المعدلة وفقاً لمعادل القوة الشرائية كمعيار لحساب الحصص. مما لا شك فيه أن أي دولة لم تحصل على كل ما كانت ترغب فيه؛ إلا أن كل دولة حصلت على مؤسسة أكثر قوة وأفضل تمثيلاً على المستوى العالمي.
زعم المنتقدون أن الاتفاق لم يذهب إلى الدرجة الكافية لعكس حقائق الاقتصاد العالمي الجديدة. وربما كانوا مصيبين في انتقادهم هذا. فقد أقر رئيس صندوق النقد الدولي الجديد دومينيك شتراوس خان بهذا، واصفاً الاتفاق بأنه "خطوة كبرى" ولكنه أيضاً "خطوة أولى". وهو على حق في وصفه هذا، فالاتفاق يشكل خطوة كبيرة وأولى.
بطبيعة الحال، نستطيع بسهولة أن نتصور إصلاحاً لنظام الحصص قادر على تحقيق نتائج أكثر طموحاً، إلا أن الحصول على موافقة كافة الأطراف على مثل هذا الإصلاح أمر عسير المنال. وأنا أدرك من واقع خبرتي في صندوق النقد الدولي، فضلاً عن السنوات العديدة التي أمضيتها في العمل في الدوائر الدولية، مدى صعوبة إنجاز أي نوع من التغيير في مؤسساتنا الدولية التعددية ـ ويصدق هذا بصورة خاصة على بعض عناصر هذا الاتفاق، والتي كانت الأولى من نوعها منذ 63 عاماً. والحقيقة أن البداية هي أصعب الخطوات دوماً.
في الواقع، أنا أعتقد أن هذا الاتفاق يصلح كقدوة للمؤسسات الدولية التعددية الأخرى، مثل البنك الدولي، والتي لابد وأن تشرع في تنفيذ عمليات إصلاح ترمي إلى منح الدول الناشئة والنامية قدراً أعظم من التمثيل وحق التصويت. ولهذا السبب في المقام الأول، لابد وأن يحظى اتفاق صندوق النقد الدولي الجديد بحقه من الاهتمام والتقدير.
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
By choosing to side with the aggressor in the Ukraine war, President Donald Trump’s administration has effectively driven the final nail into the coffin of US global leadership. Unless Europe fills the void – first and foremost by supporting Ukraine – it faces the prospect of more chaos and conflict in the years to come.
مكسيكو سيتي ـ مع استمرار الاضطرابات في اجتياح أسواق المال في العالم، يتنامى إدراك جديد مفاده أن المشاكل الاقتصادية العالمية تستلزم حلولاً عالمية وحكماً عالمياً أفضل. في شهر مارس/آذار الماضي، ووسط الاضطرابات والتقلبات المالية الأخيرة، مر بنا إنجاز كبير في هذا السياق دون أن يلحظه أو يلتفت إليه عدد كبير من الناس. يتلخص هذا الإنجاز في توصل اللجنة التنفيذية لصندوق النقد الدولي إلى الاتفاق على صيغة جديدة للحصص العالمية وزيادة حصص الدول الأعضاء التي لم توف حقها في التمثيل، وخاصة الأسواق الناشئة والدول النامية.
فبموجب هذا التحرك، منح صندوق النقد الدولي هذه الدول صوتاً أقوى في المؤسسة الدولية الرئيسية المسئولة عن ضمان الاستقرار المالي ـ وبالتالي في الاقتصاد العالمي ذاته. وهذا القرار الذي اتخذ بعد ما يقرب من العامين من المفاوضات الفنية رفيعة المستوى، والتي جرت سراً في بعض الأحيان، يتضمن اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي سيتغير بموجبها أسلوب توزيع الحصص العالمية (والتي تتقرر على ضوئها قوة التصويت في صندوق النقد الدولي).
في نهاية المطاف، لم يتجاوز مقدار التحول في قوة التصويت من الدول المتقدمة إلى الدول النامية 2.7%. ما السبب إذاً وراء أهمية هذا التحول؟
حين أتحدث بصفتي كطرف أساسي شهد العملية من الداخل (باعتباري عضواً سابقاً في اللجنة التنفيذية لصندوق النقد الدولي)، وبصفتي كشخص من خارج المنظمة (باعتباري وزيراً لمالية المكسيك حالياً)، فقد كان بوسعي أن أنتبه إلى ثلاث نقاط تستأهل الاهتمام.
أولاً، سوف يرتفع تمثيل عدد كبير من الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي ـ 54 دولة على وجه التحديد. فحصة كوريا على سبيل المثال سوف تزيد بنسبة 106%، كما ستتضاعف حصة كل من الصين وتركيا. وستزيد حصة كل من البرازيل، والهند، والمكسيك بنسبة 40%. وهذه الزيادات تشكل إشارة مهمة إلى أن العالم بدأ أخيراً في إدراك الدور المعزز الذي تلعبه الدول الناشئة النشيطة في الاقتصاد العالمي. وفي نفس الوقت، لم تتجاهل الترتيبات الجديدة مشاركة الدول صغيرة الحجم، وأغلبها من بين الدول الأفقر في العالم: إذ يدعو اتفاق صندوق النقد الدولي الأخير إلى مضاعفة ما يطلق عليه "الأصوات الأساسية" إلى ثلاثة أمثالها، وهو ما يضمن الاستماع إلى صوت هذه الدول بشكل أكثر وضوحاً.
ثانياً، كان اتفاق الحصص مجرد بداية، حيث أنه يدرك أن تمثيل الدول لابد وأن يتكيف وفقاً للتغيرات الطارئة على الاقتصاد العالمي في المستقبل. فينص الاتفاق على تعديل أنصبة التجارة العالمية وحصص التصويت كل خمسة أعوام، وهو الأمر الذي سيسفر عن المزيد من الارتفاع في حصص الدول ذات التمثيل الأدنى من حجمها. وهذا يعني أن هذا الاتفاق، على العكس من العديد من الاتفاقيات الدولية في الماضي، يتسم بالحركة وليس الجمود.
Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription
At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.
Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.
Subscribe Now
أخيراً، يتسم هذا الاتفاق بروح التسوية التي ساعدت في التوصل إليه. فقد وافق عدد كبير من الدول المتقدمة، ومنها ألمانيا وأيرلندا وإيطاليا واليابان ولوكسمبورغ والولايات المتحدة، على التنازل عن جزء من الزيادة في حصصها المستحقة. وفي نفس الوقت حقق الاتفاق الأمنية التي طالما تمنتها الدول النامية ـ استخدام أسعار الصرف المعدلة وفقاً لمعادل القوة الشرائية كمعيار لحساب الحصص. مما لا شك فيه أن أي دولة لم تحصل على كل ما كانت ترغب فيه؛ إلا أن كل دولة حصلت على مؤسسة أكثر قوة وأفضل تمثيلاً على المستوى العالمي.
زعم المنتقدون أن الاتفاق لم يذهب إلى الدرجة الكافية لعكس حقائق الاقتصاد العالمي الجديدة. وربما كانوا مصيبين في انتقادهم هذا. فقد أقر رئيس صندوق النقد الدولي الجديد دومينيك شتراوس خان بهذا، واصفاً الاتفاق بأنه "خطوة كبرى" ولكنه أيضاً "خطوة أولى". وهو على حق في وصفه هذا، فالاتفاق يشكل خطوة كبيرة وأولى.
بطبيعة الحال، نستطيع بسهولة أن نتصور إصلاحاً لنظام الحصص قادر على تحقيق نتائج أكثر طموحاً، إلا أن الحصول على موافقة كافة الأطراف على مثل هذا الإصلاح أمر عسير المنال. وأنا أدرك من واقع خبرتي في صندوق النقد الدولي، فضلاً عن السنوات العديدة التي أمضيتها في العمل في الدوائر الدولية، مدى صعوبة إنجاز أي نوع من التغيير في مؤسساتنا الدولية التعددية ـ ويصدق هذا بصورة خاصة على بعض عناصر هذا الاتفاق، والتي كانت الأولى من نوعها منذ 63 عاماً. والحقيقة أن البداية هي أصعب الخطوات دوماً.
في الواقع، أنا أعتقد أن هذا الاتفاق يصلح كقدوة للمؤسسات الدولية التعددية الأخرى، مثل البنك الدولي، والتي لابد وأن تشرع في تنفيذ عمليات إصلاح ترمي إلى منح الدول الناشئة والنامية قدراً أعظم من التمثيل وحق التصويت. ولهذا السبب في المقام الأول، لابد وأن يحظى اتفاق صندوق النقد الدولي الجديد بحقه من الاهتمام والتقدير.