james222_Win McNameeGetty Images)_debate Win McNamee/Getty Images)

رسوم ترمب الجمركية والفرصة التي تقدمها لهاريس

برينستونــ على الرغم من مناقشة السياسة التجارية في كل مكان، فإن تناولها نادرا ما يكون صادقا. فبدلا من التركيز على التكاليف والفوائد، تؤطَّـر القضية بشكل تقريبي على أنها مسألة إنتاج "أجنبي" مقابل إنتاج "محلي". وهذا الافتقار إلى الحوار الجاد حول الانفتاح الاقتصادي من شأنه أن يخلف عواقب كارثية. ولن ينتهي الإجماع الجديد الناشئ إلا إلى الدموع.

هل تذكرون المناظرة الأولى (وربما الوحيدة) بين المرشحين الرئاسيين الأميركيين؟ كانت اللحظة الحقيقية الوحيدة المتصلة بالسياسة في الدقائق الافتتاحية، عندما وصفت كامالا هاريس التعريفة الجمركية بنسبة 20% التي يقترح دونالد ترمب فرضها على كل الواردات (مع فرض ضريبة بنسبة 60% على الواردات من الصين) على أنها ضريبة مبيعات. رد ترمب، على نحو خاطئ، بأن التكلفة ستقع على عاتق المنتجين الأجانب، وليس المواطنين الأميركيين. ولكن عندما أشار على نحو صحيح إلى أن الرئيس جو بايدن واصل (إلى حد كبير) سياسة التعريفات الجمركية التي بدأها، لم تَـجِـد هاريس أي رد. ولكن عند مرحلة ما، سوف يضطر الديمقراطيون إلى فحص هذه المسألة، لأن تصحيح السياسة التجارية أمر بالغ الأهمية لصحة كل من النظام السياسي والاقتصاد.

ما يدعو إلى التفاؤل أن الباحثين أنتجوا وفرة من الأدلة التجريبية حول التأثيرات التي تخلفها التجارة، والجدال حول النتائج قليل بدرجة مدهشة. تأتي الدراسة الأكثر تفصيلا وإسهابا لرسوم ترمب الجمركية من ديفيد أوتور، وآني بيك، وديفيد دورن، وجوردون هانسون، الذين أظهروا أن السياسة لم يكن لها تأثير إيجابي على تشغيل العمالة في قطاع التصنيع، الذي كان من المفترض أن يحظى بالحماية. والأسوأ من ذلك، أن سياسة ترمب أفضت إلى خسائر في الوظائف في قطاعات أخرى عديدة بسبب الرسوم الجمركية الانتقامية من جانب دول أخرى. لكن الرسوم الجمركية تزيد من أصوات الجمهوريين في المناطق حيث كان العمال "يتمتعون بالحماية". وعلى هذا فقد قدمت السياسة مكاسب سياسية بتكلفة اقتصادية.

ما كان ينبغي للتأثير السياسي الذي أفاد الجمهوريين أن يعمل كسبب يحمل بايدن على الاستمرار في فرض التعريفات الجمركية. ولكن بحلول الوقت الذي تولى فيه منصبه، كان الخطاب الذي ينادي بتعزيز الإنتاج الأميركي والتشدد مع الصين راسخا بالفعل. وكان تقديم أي "تنازل" للصين ــ والذي كان ليشكل في حقيقة الأمر تنازلا لصالح المستهلكين الأميركيين ــ يُنظَر إليه باعتباره ممارسة هَـدّامة.

الواقع إن مقترحات التعريفات الجمركية الجديدة من جانب ترمب أشد تطرفا من التعريفات الجمركية التي فرضها خلال ولايته الرئاسية الأولى، ومن شأنها أن تجلب مخاطر أعظم كثيرا. فبادئ ذي بدء، ستكون تأثيرات الأسعار أكبر كثيرا، وهذا يعني ضمنا خسائر أكبر في الرفاهة الاجتماعية. تتراوح تقديرات التكاليف السنوية المترتبة على فرض تعريفة بنسبة 10% (نصف ما يريده ترمب) على المستهلك العادي من 1500 دولار وفقا لمركز التقدم الأميركي التقدمي إلى 2600 دولار وفقا لاتحاد دافعي الضرائب الوطني.

كما تفرض التعريفات الجمركية مشكلات إدراكية وعملية. فمعظم المنتجات تأتي نتيجة لسلاسل توريد معقدة، وقد تكون إحدى المراحل في الصين حتى لو حدث الإنتاج النهائي أو التجميع في مكان آخر. ومن هنا، كان الاهتمام كبيرا بالزيادة في الواردات الأميركية من المكسيك وفيتنام في وقت حيث تزيد هاتان الدولتان مشترياتهما من الصين.

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription
PS_Sales_Winter_1333x1000 AI

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription

At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.

Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.

Subscribe Now

على نحو مماثل، تأتي حصة كبيرة من المستحضرات الصيدلانية السائبة الأميركية من الهند، لكن المنتجين الهنود يستخدمون المواد الكيميائية التي توفرها الصين. فهل ينبغي فرض ضرائب على هذه المنتجات أيضا؟ من المؤكد أن الأميركيين ليسوا حريصين على زيادة ما ينفقونه على الأدوية. وإذا أصبحت بعض الأدوية باهظة الثمن، فسوف تكون النتيجة المتوقعة ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات.

عندما يتعلق الأمر بالتجارة، تشكل التعريفات الجمركية مصدرا للاحتكاك. وربما يكون التشبيه المناسب هنا تراكم الجليد على جناح طائرة: فقد لا يشكل قليل منه أهمية، ولكن عند نقطة تحول بعينها لن تستمر الطائرة في الطيران. فهل نحن على استعداد لإسقاط الاقتصاد الأميركي ــ والاقتصاد العالمي معه ــ بسياسة من شأنها أن تجعل ردة الفعل إزاء قانون سموت-هاولي لعام 1930 تبدو متواضعة بالمقارنة؟ نظرا للدور الذي تلعبه هذه السياسة في إحداث كساد عالمي كارثي، فإن الإجابة لابد أن تكون واضحة.

من المؤسف أن الحكمة السائدة الجديدة تعتبر التجارة الحرة جزءا خطيرا من الأيديولوجية "النيوليبرالية" التي فقدت مصداقيتها والتي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على الدول الأخرى بعد الحرب الباردة. جاءت الهجمات على التجارة الحرة من اليمين واليسار على حد سواء. فقد جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتن ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان من الهجمات على النيوليبرالية جوهر أيديولوجيتهما، بحجة أن الانفتاح الاقتصادي يؤدي إلى تفكك القيم الاجتماعية التقليدية. على نحو مماثل، دأب اليسار على عزو تأثيرات مُـفـسِـدة إلى النيوليبرالية، وخلص الوسطيون مثل بايدن إلى أنهم قد يستفيدون من تناول الموضوعات التي يتقاسمها اليمين واليسار.

تمر العودة إلى الفطرة السليمة عبر طريقين. الأول يتمثل في إجراء تجربة الحماية ثم النظر في النتائج، والتي قد تشمل خسائر هائلة في الوظائف وانتشار السخط وانعدام الاستقرار في مختلف أنحاء العالم. سوف يكون هذا إعادة تمثيل لفترة ثلاثينيات القرن العشرين، الفترة البائسة التي أفضت إلى الاعتراف بأن التجارة تولد الرخاء على نطاق واسع. وتُـعطي استطلاعات الرأي فرصا متساوية للشعب الأميركي لاختيار هذا المسار في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني.

يتلخص الاحتمال الآخر في مناقشة جادة تستند إلى الأدلة حول التأثيرات التي تخلفها التجارة. من الناحية النظرية، ينبغي أن يكون شرح السياسة سهلا. وهنا تأتي المقايضة بين تمويل الإنفاق الحكومي من خلال ما يعادل ضريبة مبيعات من ناحية، والاعتماد على ضرائب الدخل من ناحية أخرى. ينبغي للناخبين أن يدركوا أن سياسات الحماية شديدة الرجعية. فأصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة يتأثرون بشكل غير متناسب بالرسوم الجمركية، في حين لا يلاحظها أصحاب الدخول المرتفعة على الإطلاق.

تُـرى هل من الممكن إخراج هذه المناقشة من أروقة الأوساط الأكاديمية؟ في حين لا ترعى الولايات المتحدة تقليد الاستفتاءات الفيدرالية، فما عليك إلا أن تتخيل كيف قد يستجيب الناخبون إذا سُئلوا بشكل مباشر ما إذا كانوا يفضلون ضريبة استهلاك أعلى كثيرا. تتمثل أفضل استجابة في التعامل مع "الشعبوية" في امتلاك الشجاعة اللازمة لسؤال الناس حول قضايا بعينها، والتعريفات الجمركية هي القضية الأكثر إلحاحا. إن المناقشة الجادة حول التجارة ستكون أفضل إلى ما لا نهاية من حرب التعريفات الجمركية التي تُـفـضي إلى انهيار عالمي. الاختيار واضح، ويجب على هاريس أن تتخذه.

ترجمة: إبراهيم محمد علي        Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/iFUVWxUar