zizek10_Oleksii SamsonovGlobal Images Ukraine via Getty Images_ukraine flag Oleksii Samsonov/Global Images Ukraine via Getty Images

العربدة عند نهاية العالَـم

ليوبليانا ــ مع نجاح القوات الأوكرانية في استعادة الأراضي ودفع المحتلين الروس المحبطين إلى التقهقر السريع، لجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى تصعيد تهديده باستخدام الأسلحة النووية. أرسل السياسيون تحذيرات صارمة إلى الكرملين، وقارن المعلقون بين اللحظة الحالية وأزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962 وغير ذلك من نوبات التوتر الشديد التي كانت لتنتهي إلى حرب نووية فاصلة. لكن نحو 15 ألف أوكراني واجهوا احتمال الإبادة بطريقة أقل تجريدية: المشاركة في حفلة جنسية ضخمة، كما أوردت التقارير.

من المتوقع أن يقوم المشاركون في "حفل عربدة ميدان شيتشيكافيستسا: الرسمي" خارج مدينة كييف "بتزيين أيديهم بخطوط تدل على توجههم الجنسي، حيث طُـلِـبَ من المهتمين بالجنس الشرجي رسم ثلاثة خطوط؛ في حين طُـلِـب من المهتمين بالجنس الفموي رسم أربعة خطوط". وظهرت مجموعات مماثلة في أماكن أخرى، بما في ذلك مجموعة أعلنت عن طقوس عربدة جنسية في شارع ديريباسيفسكا في أوديسا.

ولكن لماذا بعد ثمانية أشهر من القصف الروسي والقتال الوحشي، قد يهتم أي شخص بمثل هذا الحدث؟ وفقا لأحد المشاركين المتحمسين: "إنه عَـكْـس اليأس. فحتى في أسوأ سيناريو، يبحث الناس عن شيء يمنحهم الأمل. هذا هو التفاؤل الأعظم من منظور الأوكرانيين".

ينبغي للمرء أن يتقبل هذه الشهادة على ظاهرها. ففي أوقات الكرب الشديد، قد تكون العربدة الجنسية مشروعا يؤكد على الحياة. ولا توحد حاجة إلى تفسير فرويدي زائف "أكثر عمقا" حيث تعجل الصدمة الجماعية بتفكك الموانع الفردية والأعراف الاجتماعية التقليدية. الواقع أن الأفعال الجنسية غير المتحضرة حقا هي تلك التي يرتكبها الجنود الروس وقادتهم. وفقا لممثلة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالعنف الجنسي، براميلا باتن، يوزع القادة الروس الفياجرا على قواتهم. وكما قالت لوكالة الأنباء الفرنسية فإن الاعتداء الجنسي على النساء الأوكرانيات "تكتيك متعمد لتجريد الضحايا من إنسانيتهن".

من المحزن أن مراقبين خارجيين آخرين تبنوا فعليا الخط الروسي. وحتى بلدي لم يسلم من هذا الخزي، حيث جاءت ردة فعل ماتياس جامس، عضو مجلس الدولة السلوفيني، لقصة العربدة الجنسية بتصريح مفاده أنه عندما تدخل الحضارات فترة من الانحلال، "تظهر أفكار غريبة ومروعة". ولكن مرة أخرى، ما هو الأمر الأكثر غرابة وترويعا: "حفلة جنس (حيث كل الأنشطة طوعية وقائمة على الرضا والتوافق)، أو هجمات روسيا العشوائية على البنية الأساسية المدنية والمدنيين (بما في ذلك استخدام الاغتصاب المنهجي كتكتيك عسكري)؟

جاءت تهديدات بوتن النووية الأخيرة مصحوبة بضمه غير القانوني لأربع مناطق أوكرانية لا يسيطر عليها بشكل كامل، لكن الكرملين يصر على أنها "أجزاء غير قابلة للتصرف من ا لاتحاد الروسي... ولا يقل أمنها أهمية عن أمن بقية الأراضي الروسية". المغزى الضمني بطبيعة الحال أن أوكرانيا تستحق بالفعل ضربة نووية، لأنها تحقق مكاسب في مناطق يفترض أنها تقع تحت مظلة روسيا النووية. وليس من المستغرب أن نجد مواقع المراهنات على الإنترنت تعرض الاحتمالات بشأن تنفيذ روسيا لهجوم نووي هذا العام، حيث يراهن الآلاف على "نعم".

Secure your copy of PS Quarterly: The Climate Crucible
PS_Quarterly_Q3-24_1333x1000_No-Text

Secure your copy of PS Quarterly: The Climate Crucible

The newest issue of our magazine, PS Quarterly: The Climate Crucible, is here. To gain digital access to all of the magazine’s content, and receive your print copy, subscribe to PS Premium now.

Subscribe Now

ما يضفي المصداقية على هذا التهديد أن المسؤولين الروس أمروا بإخلاء مدينة خيرسون، التي أصبحت الآن محاصرة بالكامل تقريب من قِـبَـل القوات الأوكرانية. وتبدو الرسالة المقصودة واضحة: إذا استعاد الأوكرانيون المدينة، فسوف يصبحون هدفا مثاليا لقنبلة نووية. في الصراع مع "الشيطانية"، على حد تعبير بوتن مؤخرا، كل شيء مباح.

لكن ما لا يقل عن ذلك ترويعا هو حجة الـمُـسالَـمة الغربية التي تزعم أن أوروبا يجب أن ترسل وفدا كبيرا إلى روسيا لبدء التفاوض على شروط السلام. من الواضح أننا يجب أن نبذل كل ما هو ممكن من الجهد لمنع اندلاع حرب عالمية جديدة؛ ولكن لتحقيق هذه الغاية، يجب أن نبدأ بتقدير واقعي لما أصبحت عليه روسيا. وهذا يعني التخلي عن فكرة الوحدة الأوروبية الآسيوية ورفض الحجة القائلة بأن أوروبا يجب أن تشكل كتلة قوة مع روسيا لتجنب أن تصبح شريكا ثانويا للولايات المتحدة في صراعها مع الصين. في هذه المرحلة، روسيا وليس الصين هي التي تشكل التهديد الأكبر لأوروبا.

علاوة على ذلك، لكي تواصل أوروبا المفاوضات مع روسيا، ستضطر أيضا إلى الضغط على أوكرانيا لقبول التسوية. هذا هو ما يريده الكرملين على وجه التحديد؛ فهو كفيل بتعزيز حجة بوتن بأن أ وكرانيا مجرد وكيل غربي، وليست دولة حقيقية قائمة بذاتها.

ماذا نفعل إذن؟ من الواضح أن روسيا من غير الممكن تجاهلها. وعلى هذا فإن الخيار الأفضل يتمثل في التواصل مع أولئك الذين يعارضون الحرب في روسيا وتوابعها. كما أشار مؤخرا سوافمير سييراكافسكي، فإن إدارة الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي تتمتع بحليف طبيعي يتمثل في المعارضة البيلاروسية، والتي كانت تفعل بهدوء ما في وسعها لإحباط المجهود الحربي الروسي. مع ذلك، لم ينشأ أي تحالف. بدلا من ذلك، أظهر المسؤولون الأوكرانيون علنا ازدراءهم للبيلاروسيين، واصفين إياهم بأنهم "جبناء وخاضعون". وكما يشير سييراكافسكي، فإن هذا الموقف ليس غير أخلاقي فحسب، بل يدل أيضا على "غباء سياسي".

يجد معارضو الحرب الروس أنفسهم في ذات المأزق، حيث تنتقدهم مؤسسة بوتن على أنهم خونة، وتنتقدهم أوكرانيا على أنهم روس. بهذه الطريقة، يصبح معنى الحرب الأوكرانية مبهما. فالأمر ليس صراعا بين "حقيقة أوروبية" و"حقيقة روسية"، كما يزعم مُـنَـظِّـر بوتن الإيديولوجي ألكسندر ديوجين وبعض الأوكرانيين. إن أوكرانيا جبهة في النضال العالمي ضد الأصولية القومية الجديدة التي تكتسب المزيد من القوة في كل مكان، بما في ذلك الولايات المتحدة، والهند، والصين.

إذا كان الأوكرانيون تنازلوا عن أي قطعة ضئيلة من أرضيتهم الأخلاقية العالية، فهي تتمثل في فشلهم في تعميم كفاحهم، وليس في أي حدث خليع لا تقيده حدود خارج كييف.

ترجمة: مايسة كامل            Translated by: Maysa Kamel

https://prosyn.org/Rn9WM6War