spence168_JEWEL SAMADAFP via Getty Images_cop28 JEWEL SAMAD/AFP via Getty Images

مؤتمر الأطراف 28 قادر على تحقيق التقدم، ولكن هل يفعل؟

ميلانو ــ انطلق مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (مؤتمر الأطراف 28 COP28) هذا العام في دبي. الواقع أن النظرة إلى هذا الحدث، اعتمادا على من تسأل، تتراوح من التشاؤم العميق إلى التفاؤل الحذر. لكن الجميع تقريبا يتفقون على أمر واحد: وهو أن العمل المناخي الفعّال أصبح أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.

هذا الشعور المشترك بضرورة العمل العاجل في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين بالغ الأهمية. من المتوقع أن يشارك في المؤتمر نحو 70 ألف مندوب ــ بما في ذلك ممثلو جميع الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ومجموعة من أصحاب المصلحة الآخرين، من قادة الأعمال إلى علماء المناخ. قد تكون مثل هذه المجموعة الضخمة والمتنوعة غير عملية، لكن المشاركة الواسعة النطاق ــ والتي كانت في ارتفاع في الأعوام الأخيرة ــ تشكل أهمية بالغة لتحقيق التقدم. الواقع أن التحرك العالمي الملتزم على مستويات الحكومة والاقتصاد والمجتمع كافة مطلوب في التصدي لمثل هذا التحدي المعقد والمتعدد الأوجه، ويجب أن يساعد الوعي المتزايد بنفاد الوقت في تعزيز هذا التحرك.

على الرغم من أهمية التحرك على نطاق واسع، فإن قِلة من القوى الفاعلة الرئيسية قادرة في حقيقة الأمر على تحقيق خفض جذري في الانبعاثات العالمية. الواقع أن أكثر من 60% من إجمالي الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي تنتجها ستة اقتصادات فقط: الصين، والولايات المتحدة، والهند، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والبرازيل (بترتيب إجمالي الانبعاثات). ويتعين على هذه الاقتصادات أن تأخذ زمام المبادرة ليس فقط فيما يتصل بخفض الانبعاثات التي تصدرها، بل وأيضاً في تعزيز تنمية ونشر مصادر الطاقة المتجددة وغير ذلك من التكنولوجيات اللازمة لتحول الطاقة على مستوى العالم.

وهنا يستحق الأمر تسليط الضوء على بعض الإنجازات البارزة. لقد بلغت الاقتصادات المرتفعة الدخل المدرجة في القائمة بالفعل ذروة الانبعاثات. وفي حين لا يزال الطريق أمامها طويلا قبل أن تحقق أهدافها المتمثلة في خفض الانبعاثات إلى الصِـفر ــ يبدو أن الإرادة السياسية اللازمة لتحقيق هذه الأهداف مفقودة غالبا ــ فإنها تتمتع أيضا بموارد كبيرة للاستثمار في التحولات البنيوية اللازمة.

من جانبها، من المتوقع أن تصل الصين إلى ذروة الانبعاثات بحلول عام 2030. علاوة على ذلك، أصبحت الصين مصدرا مهما للتكنولوجيات ذات الصلة، بما في ذلك الألواح الشمسية، والمركبات الكهربائية، والبطاريات. وإذا تمكنت من إزالة الكربون من دون عرقلة جهود التنمية، فإنها بهذا تشكل سابقة قوية لبقية العالم النامي.

على الرغم من هذا، في دولة مثل الهند، التي لا تزال تتمتع بآفاق نمو هائلة في المستقبل، ربما تكون الذروة أبعد. في الواقع، إذا لم تحدث معجزة تكنولوجية، فمن المرجح أن تنمو انبعاثات الهند لمدة عشر إلى خمس عشرة سنة أخرى على الأقل. لكنها مع ذلك تظل منخفضة نسبيا في الوقت الحالي، عند مستوى أقل من طنين للشخص الواحد سنويا ــ وهو المستوى الذي تجاهد الاقتصادات المتقدمة في السعي إلى الوصول إليه. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، بلغ نصيب الفرد في الانبعاثات السنوية 13 طنا في عام 2020. ينبغي للدول الأكثر إطلاقا للانبعاثات الغازية في العالم أن تغتنم الفرصة التي يتيحها مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) لوضع مجموعة منسقة من السياسات لتقليص بصمتها الكربونية بسرعة.

SUMMER SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions
PS_Sales_Summer_1333x1000_V1

SUMMER SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions

Subscribe now to gain greater access to Project Syndicate – including every commentary and our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – starting at just $49.99

Subscribe Now

من التطورات الواعدة الأخرى أن الزراعة تبدو أخيرا وكأنها تحظى بالقدر الذي تستحقه من الاهتمام. في الاجتماعات السنوية الأخيرة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في مراكش، سلط رئيس البنك الدولي أجاي بانجا الضوء على إبداع مهم في هذا المجال. تُـغـمَـر حقول الأرز بالمياه عادة لتعزيز نموها، وتبقى مغمورة بالمياه من وقت الزراعة حتى الحصاد. لكن هذا يؤدي إلى انبعاث كميات هائلة من غاز الميثان ــ وهذا ليس ضروريا حتى. فبتصريف المياه بعد الزراعة، ثم سقي الحقول بشكل انتقائي حتى الحصاد، تنخفض انبعاثات غاز الميثان بنسبة 60%. ويجب أن يكون دعم التحول نحو مثل هذه الحلول الزراعية "الذكية مناخيا" على رأس جدول أعمال مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين.

من الأخبار الواعدة أيضا أن الطلب على التعويض عن الكربون ــ سواء كان طوعيا أو إلزاميا ــ أصبح أقوى من أي وقت مضى. في حال تنفيذ هذا النهج على النحو الصحيح، فإن سوق تعويض الكربون من شأنها أن تعمل على تعزيز التمويل لجهود التخفيف من التأثيرات المترتبة على تغير المناخ، وخاصة في الأماكن حيث يكون مثل هذا الاستثمار هو الأكثر فعالية من حيث التكلفة ــ في الاقتصادات النامية التي تفتقر إلى الموارد اللازمة لتمويل جهود التخفيف بنفسها.

يجب أن تتغلب جهود إنشاء أسواق فعّالة لتعويض الكربون على تحديين رئيسيين على الأقل. أولا، يشكل تصميم وفرض عملية توثيق يمكن التعويل عليها ضرورة أساسية لضمان تمويل مشتريات تعويض الكربون لمشاريع تعمل فعليا على خفض الانبعاثات العالمية أو تقليل كمية الكربون في الغلاف الجوي. وهي مهمة أصعب مما قد تبدو عليه: ذلك أن عددا كبيرا من الأطراف الفاعلة تهتم بالمظاهر أكثر من اهتمامها بالأثر الحقيقي، وسوف تغتنم أي فرصة للتلاعب بالنظام. وفقا لدراسة حديثة فإن 39 من أفضل 50 مشروعا لتعويض الانبعاثات ربما تكون "عديمة القيمة"، وذلك بسبب "واحد أو أكثر من الإخفاقات الجوهرية التي تعمل على تقويض تخفيضات الانبعاثات وفقا للوعود".

لتعزيز فعالية ومصداقية أسواق تعويض الكربون، يتعين على مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين أن يعمل على وضع مجموعة من معايير الأهلية. وينبغي لهذا الجهد أن يستخلص الدروس من آلية الأمم المتحدة للتنمية النظيفة، التي عملت على مدى سنوات عديدة على تحسين إجراءات إصدار الشهادات للمشاريع في البلدان النامية. كما تتولى مؤسسات مستقلة عديدة كطرف ثالث عملية التصديق على الاستثمارات المؤهلة للحصول على تمويل التعويض، وأن كان هذا لا يزال عملا قيد التطوير. في النهاية، ليس هناك بديل عن التدقيق.

لكن المعايير ليست سوى البداية. فالحكومات على مستوى العالم لا تمتلك القدرة المالية اللازمة لتمويل الاستثمارات المطلوبة للوصول بصافي الانبعاثات إلى الصفر. وعلى هذا فإن الحاجة قائمة إلى تحرير مبالغ ضخمة من رأس المال الخاص والسيادي. (لنعتبر هذا جانب العرض في سوق تعويضات الكربون).

لتحقيق هذه الغاية، يتعين علينا أن نضمن أن العائدات المعدلة حسب المخاطر على الاستثمار في مشاريع تخفيف التأثيرات المترتبة على تغير المناخ قادرة على المنافسة مع خيارات الاستثمار البديلة. المشكلة أن المخاطر الخاصة بكل بلد في كثير من البلدان النامية ــ مثل التعرض للصدمات الخارجية، بما في ذلك الصدمات المناخية ــ تعمل على دفع تكلفة رأس المال إلى الارتفاع. لهذا السبب، يتعين على مؤسسات التنمية المتعددة الأطراف مثل البنك الدولي أن تعمل عمل المستثمرين المشاركين المطلعين، فتتقاسم المخاطر مع مستثمري القطاع الخاص. ومن شأن زيادة رسملة هذه المؤسسات أن تساعد في تعزيز قدرتها على أداء هذه الوظيفة البالغة الأهمية.

تتمثل أولوية أخيرة لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في تفعيل صندوق الخسائر والأضرار المتفق عليه مؤخرا، والذي يهدف إلى تعويض البلدان المعرضة للخطر عن التأثيرات التي تخلفها الكوارث المرتبطة بالمناخ. لا يخلو الأمر من سبب وجيه يحملنا على الاعتقاد بأن مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين قادر على تحقيق التقدم على هذه الجبهة ــ وفي جميع المجالات المذكورة آنفا. وسوف يأتي الاختبار الحقيقي لاحقا، عندما يصبح لزاما على الأطراف الفاعلة تنفيذ التزاماتها.

ترجمة: مايسة كامل            Translated by: Maysa Kamel

https://prosyn.org/wLNkY8mar