gbrowne1_Thomas SamsonGettyImages_fossil_fuel_non_proliferation_treaty Thomas Samson/Getty Images

لحظة فارقة في أمن الطاقة والرخاء الاقتصادي

سانت جونز ــ في الأسبوع الماضي، اجتمع في بربادوس عدد من رؤساء الدول، ووزراء المالية والطاقة، والمستثمرين، ومنظمات المجتمع المدني، وقادة صناعة الطاقة لحضور منتدى الطاقة المستدامة للجميع (SEforAll). عَـبَّـرَ موضوع المؤتمر ــ الطاقة المستدامة من أجل العدالة، والأمن، والرخاء ــ بدِقة عن حقيقة لا تحظى بما تستحق من تقدير في كثير من الأحيان: التحول إلى الطاقة النظيفة ضرورة أساسية ليس فقط لحماية كوكب الأرض، بل أيضا لتعزيز المرونة الاقتصادية وأمن الطاقة في بيئة عالمية تحيط بها حالة من انعدام اليقين.

من المؤكد أن الحتمية البيئية لا يجوز الاستخفاف بها، وخاصة في الدول الجزرية الصغيرة النامية مثل أنتيجوا وبربودا، التي تقع على خطوط أزمة المناخ الأمامية. في عام 2017، دمر إعصار إيرما بلدي في غضون ساعات لا أكثر، حيث تضرر كل مبنى تقريبا في جزرنا بسبب الرياح العاصفة التي بلغت سرعتها 220 ميلا في الساعة. وبلغت تكلفة التنظيف وإعادة البناء أكثر من 222 مليون دولار، وفقا لحسابات البنك الدولي، ومع ذلك ما زلنا نحمل الندوب المادية والاقتصادية بعد مرور ثماني سنوات. وهذا مثال واحد فقط: إذ تكلفنا العواصف، وارتفاع مستوى سطح البحر، وارتفاع مستويات حموضة المحيطات، ونزوح الثروات السمكية، غاليا. وفي عالم تزداد درجات حرارته بسرعة، نعلم أن الأسوأ قادم.

لكننا اليوم نعلم أيضا أن تحول الطاقة ــ وتحديدا التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة المنتجة محليا ــ ضروري لدعم المرونة الاقتصادية وأمن الطاقة. فالاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد مثل الغاز الطبيعي المسال يُـعَـرِّض بلداننا لتقلبات الأسعار، وانقطاع الإمدادات، والضغوط المفروضة على الميزانية. وعلى عكس غاز الميثان الشديد الاشتعال، بما له من آثار سلبية على السلامة، والصحة، والمناخ، لا تخضع الشمس ولا الرياح لمضاربات السوق أو المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة.

في أروقة منتدى الطاقة المستدامة للجميع، قرأ المسؤولون التنفيذيون في مجال الوقود الأحفوري من نصهم المعتاد، زاعمين أن منتجاتهم لا تزال تشكل حلا "مرحليا" جوهريا لتحول الطاقة. لكن الثغرة الزمنية التي يتعين علينا "سدها" من المرجح أن تكون أقصر كثيرا من العقود التي تمتد إلى ثلاثين عاما والتي يمارسون الضغوط على الدول الجزرية الصغيرة النامية وغيرها من الاقتصادات الناشئة لحملها على التوقيع عليها. في الواقع، تشير الاتجاهات الحالية إلى أن معظم الاقتصادات الناشئة والنامية ستكون تجاوزت بنموها المضطرد احتياجها إلى الغاز في غضون عقد من الزمن.

يتمثل أحد أسباب وراء هذا في الذكاء الاصطناعي، الذي يساعد على مواءمة إمدادات الطاقة المتجددة المتغيرة مع التقلبات في الطلب، وبالتالي تسهيل عملية دمج مصادر الطاقة المتجددة في شبكات الكهرباء. كما تساعد تكلفة أنظمة تخزين الطاقة المتزايدة الانخفاض في تحقيق هذه الغاية، حيث تعمل تكنولوجيا البطاريات المتقدمة على التقليل من الحاجة إلى إمدادات احتياطية من الوقود الأحفوري. والتأثير هنا شديد الوضوح، حتى أن بعض مشاريع محطات توليد الطاقة التي تعمل بإحراق الغاز والفحم أوقِـفَت مؤقتا أو أُلغيت. والآن، تُـعَـد مشاريع الغاز الطبيعي المسال الجديدة استثمارات محفوفة بالمخاطر، ومعظمها لن يسترد نفقاته الرأسمالية الأولية.

من ناحية أخرى، يتهافت المستثمرون على الطاقة النظيفة، التي اجتذبت ما يقرب من ضعف التمويل الذي حظي به الوقود الأحفوري العام الماضي. هذه أخبار حسنة: ذلك أن الانتقال السريع إلى الطاقة النظيفة يتطلب استثمارات أولية ضخمة ــ أكبر كثيرا من مواصلة العمل كالمعتاد. لكن المردود سيكون هائلا: انخفاض بنسبة 20% تقريبا في تكاليف الطاقة التي يتحملها المستهلكون في الاقتصادات الناشئة بحلول عام 2050، مقارنة بالاستمرار في الاعتماد على الوقود الأحفوري.

Introductory Offer: Save 30% on PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Introductory Offer: Save 30% on PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

بوضع هذه الاعتبارات في الحسبان، أصبحت أنتيجوا وبربودا أول دولة من خارج منطقة المحيط الهادئ تؤيد معاهدة منع انتشار الوقود الأحفوري، وهي معاهدة انتقالية دولية للتخلص التدريجي من النفط، والغاز، والفحم. نحن أيضا ملتزمون بتحقيق هدف الطاقة النظيفة بنسبة 100% بحلول عام 2030، وجعل أسطول النقل مُـكَـهربا بالكامل بحلول عام 2040.

لكننا لا نستطيع أن نفعل هذا بمفردنا. فمع تكاثر الكوارث المناخية وازديادها حِدّة، تتعاظم تكاليف التعافي منها. وهذا لا يترك لحكومتنا أي اختيار سوى الاقتراض بأسعار فائدة مرتفعة، فيضاعف هذا من ديوننا الوطنية الـمُرهِقة بالفعل. وكما زَعَمَت صديقتي ميا أمور موتلي، رئيسة وزراء بربادوس، لفترة طويلة، نحن في احتياج إلى اضطلاع بنوك التنمية بوظائفها، وليس حماية وضعها الائتماني من الدرجة AAA.

لهذا السبب تدعو أنتيجوا وبربودا وغيرها من الدول الجزرية الصغيرة النامية البلدان كافة إلى ملاحقة خمسة أهداف رئيسية. أولا، تعزيز تحول الطاقة والالتزامات المناخية، بما في ذلك من خلال إلغاء إعانات دعم الوقود الأحفوري غير الفعالة تدريجيا. ثانيا، حشد تمويل العمل المناخي التحويلي على نطاق ضخم، بما في ذلك من خلال فرض الضرائب ومقايضة الديون بالعمل المناخي. ثالثا، تعزيز نشر الطاقة المتجددة عن طريق تعزيز منصات التنفيذ القائمة. رابعا، توطيد القدرات المؤسسية وتسهيل تبادل المعرفة في مجال الطاقة النظيفة وكفاءة استهلاك الطاقة، وخاصة عن طريق التعاون بين بلدان الجنوب. وأخيرا، تعزيز القدرة على الصمود ــ على سبيل المثال، بتشجيع تبني تكنولوجيات الطهي الكهربائي ــ وجهود التكيف.

هذه الأجندة ضرورية لحماية كوكبنا ــ أساس صحتنا وأمننا ورخائنا. عندما تكون المخاطر كبيرة إلى هذا الحد، لن يكون في وسعنا تحمل البدائل.

 ترجمة: إبراهيم محمد علي        Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/jUorDLgar