gros179_Sean GallupGetty Images_carbonemissions Sean Gallup/Getty Images

المبررات الاقتصادية لضرائب حدود الكربون في أوروبا

ميلانو- لقد حدث بالفعل تغيير كبير في النظام التجاري العالمي خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول. إذ لأول مرة، فرضت قوة تجارية كبرى ضريبة استيراد على الكربون. ونظرًا لأن استخدام كلمة "ضريبة" (أو "رسوم جمركية") كان سيكون محرجًا، استخدم الاتحاد الأوروبي عبارة "آلية تعديل حدود الكربون"، ولكن الضريبة تبقى ضريبة، ومبرراتها الاقتصادية واضحة.

ويفرض الاتحاد الأوروبي بالفعل ضريبة داخلية على الكربون. وفي إطار نظام الاتجار في الانبعاثات، تدفع محطات الطاقة والمنشآت الصناعية الكبرى مقابل كل طن من انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون. ونظرا لتكلفة تصاريح أو "مخصصات" الانبعاثات التي تبلغ نحو 90 يورو (95 دولارًا) لكل طن من ثاني أكسيد الكربون، من المفترض أن يوفر نظام الاتجار في الانبعاثات حافزًا قويًا يجعل الشركات تقلص من انبعاثاتها داخل حدود الاتحاد الأوروبي.

ولكن نظام الاتجار في الانبعاثات لا يمنع الأوروبيين من شراء منتجاتهم الكربونية من البلدان الأخرى- لا سيما تلك التي لا تفرض ضرائب كربونية محلية. وهذه البدائل- المعروفة باسم "تسرب الكربون"- تعني أن نظام الاتجار في الانبعاثات وحده ليس مجهزا تجهيزا جيدًا لتحقيق خفض كبير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم. ومن المفترض أن تحل آلية تعديل حدود الكربون هذه المشكلة؛ وذلك بجعل المستوردين يدفعون- بأسعار مخصصات الانبعاثات التي حددها نظام الاتجار في الانبعاثات، والتي عُدلت لتنطبق مع ضريبة الكربون في البلد الأصل- مقابل الانبعاثات التي ينطوي عليها استيراد هذه البضائع.

وإلى جانب تحييد تسرب الكربون، من المفترض أن تحمي آلية تعديل حدود الكربون الصناعة في الاتحاد الأوروبي. فحتى الآن، حصل قطاع الصناعة داخل الاتحاد الأوروبي على معظم مخصصاته مجانًا. وهذا ما يفسر لماذا لم يكن لنظام الاتجار في الانبعاثات تأثير كبير حتى الآن على انبعاثات الصناعة في أوروبا. ومن أجل تعزيز تأثير النظام، يخطط الاتحاد الأوروبي الآن للتخلص التدريجي من المخصصات المجانية على مدى عدة سنوات، بدءًا من عام 2026. ومن المقرر أن تدخل آلية تعديل حدود الكربون حيز التنفيذ خلال هذه المدة.

وحاليًا، لازالت آلية تعديل حدود الكربون في مرحلتها التحولية الأولى، حيث لا يدفع المستوردون الأوروبيون ضريبة كربونية بعد، ولكنهم يكيفون سياستهم ويبلغون عن الانبعاثات المضمنة في إنتاج السلع التي يجلبونها إلى الاتحاد. إن هذه المرحلة لا توفر للمستوردين حيزا للاستعداد فقط، بل تمنح القادة الأوروبيين أيضا فرصة للتخفيف من المعارضة السياسية من شركاءهم التجاريين الرئيسيين.

وبالطبع، يمكن لأولك الشركاء أيضًا استخدام هذا الحيز لتحدي آلية تعديل حدود الكربون في منظمة التجارة العالمية. ولكن بمجرد أن ينهي الاتحاد الأوروبي المخصصات المجانية، من المرجح أن تتوافق الضريبة مع منظمة التجارة العالمية. وفضلا على ذلك، لن تكون عقبة رئيسية للتجارة. فعلى أي حال، ستنطبق فقط على مجموعة صغيرة ومتباينة إلى حد ما من المنتجات ذات الانبعاثات الكربونية الكثيفة المعرضة لتسرب الكربون: الإسمنت، والحديد، والصلب، والألومنيوم، والأسمدة، والكهرباء، والهيدروجين. ومعظم هذه المنتجات لا يتم تداولها على نطاق واسع.

Secure your copy of PS Quarterly: Age of Extremes
PS_Quarterly_Q2-24_1333x1000_No-Text

Secure your copy of PS Quarterly: Age of Extremes

The newest issue of our magazine, PS Quarterly: Age of Extremes, is here. To gain digital access to all of the magazine’s content, and receive your print copy, subscribe to PS Premium now.

Subscribe Now

فعلى سبيل المثال، يتم تداول الكهرباء فقط على مسافات قصيرة؛ وضُمنت في آلية تعديل حدود الكربون لضمان تسيير الطاقة الكثيفة الكربون التي تنتج في منطقة البلقان. وفضلا على ذلك، يتم استيراد الإسمنت والأسمدة أيضًا بصورة رئيسية من الدول المجاورة مثل تركيا وشمال إفريقيا. أما الهيدروجين، فبالكاد يتداول، على الأقل حاليا.

وإجمالا، لا تغطي آلية تعديل حدود الكربون سوى ما يقارب 3 في المئة من جميع السلع المستوردة من الاتحاد الأوروبي، بقيمة إجمالية تقدر بنحو 50-60 مليار يورو سنويًا. وفي حين أن شركاء التجارة الأوروبيين سيشكون، خاصة من استخدام منتجات الصلب، ستكون آلية تعديل حدود الكربون عائقًا طفيفًا في أسوأ تقدير.

ويرى بعض الباحثين في مجال تغير المناخ أن المشكلة تكمن هنا بالضبط: إن آلية تعديل حدود الكربون لا تسير مجموعة واسعة من المنتجات أو نسبة كبيرة من الانبعاثات. ولكن رغم أنها تسير حصة صغيرة من الواردات الإجمالية، إلا أن هذه المنتجات تمثل نحو نصف (47 في المئة) المخصصات المجانية للانبعاثات التي تمنح حاليًا للشركات الصناعية في الاتحاد الأوروبي.

لذا، ستكون لآلية تعديل حدود الكربون منافع لخزينة الدولة. إذ تفيد التقديرات أن الواردات التي تسيرها آلية تعديل الكربون تنطوي على انبعاثات مباشرة تبلغ نحو80 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون. وبسعر حدده نظام الاتجار في الانبعاثات في 90 يورو تقريبا للطن، ستكون هناك إيرادات سنوية تقدر بما يقارب 7.2 مليار يورو، وستذهب مباشرة إلى ميزانية الاتحاد الأوروبي؛ وستوفر الموارد التي تشتد الحاجة إليها لتمويل مجالات أخرى، مثل دعم أوكرانيا.

وستعادل الإيرادات المحصلة من آلية دعم حدود الكربون 15 في المئة من قيمة الواردات المشمولة، مما يجعل الآلية مماثلة من حيث الحجم للرسوم المختلفة التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على منتجات الصلب والألومنيوم، بحجة حماية الأمن القومي. ويجدر بمعارضي آلية تعديل حدود الكربون أن يلاحظوا أن هذه الرسوم، التي استُبدلت فيما بعد بأشكال أخرى من التجارة المدارة، حققت نجاحا محدودا فيما يتعلق بحماية صناعة الصلب الأمريكية.

إن ضريبة حدود الكربون التي فرضها الاتحاد الأوروبي، رغم أنها ليست مثالية، منطقية من الناحية اقتصادية؛ ومن غير المرجح أن تتسبب في ضرر كبير للنظام التجاري العالمي. بل على العكس من ذلك، قد تشجع دولًا أخرى- ربما حتى الصين- على إدراج تسعير الكربون، بحيث يمكن لحكوماتها الوطنية أن تُحصل الإيرادات بدلاً من الاتحاد الأوروبي. ولكن ذلك لا يعني أن آلية تعديل حدود الكربون لا تشكل أي مخاطر. فمن الجدير بالملاحظة أنها يمكن أن تخلق التوتر بين الأصدقاء- خاصة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ولو أن ذلك قد لا يحدث بالصورة التي قد يتوقعا المرء.

لقد رفضت الولايات المتحدة فرض ضرائب الكربون على صناعتها، واختارت بدلاً من ذلك تقديم حوافز لالتقاط الكربون وتخزينه بموجب قانون الحد من التضخم. إن الفوائد التي تحصل عليها الشركات الأمريكية مقابل التقاط الكربون وتخزينه- 85 دولار لكل طن واحد من ثاني أكسيد الكربون المخزن بصورة دائمة- ليست بعيدة عن السعر الحالي الذي حدده نظام الاتجار في الانبعاثات. وهذا يعني أن منتجي الصلب الأمريكيين يمكن أن يستخدموا الدعم المخصص لالتقاط الكربون وتخزينه في إنتاج الصلب منخفض الكربون بتكلفة أقل من منافسيهم في الاتحاد الأوروبي، الذين سيخضعون لنفس الحافز لخفض الانبعاثات، ولكن سيضطرون لتحمل تكلفة ذلك. وسيؤدي هذا إلى جذب الاستثمار نحو الولايات المتحدة، مما سيجعل صناعة الصلب الأوروبية تعاني من المنافسة غير العادلة.

لذلك، ليست آلية تعديل حدود الكربون للاتحاد الأوروبي هي التي قد تخلق توترات تجارية بين الحلفاء، بل السياسة الأمريكية هي التي قد تؤدي إلى ذلك. وهذا ليس سوى نتيجة من النتائج غير المقصودة المترتبة عن اعتماد للولايات المتحدة لسياسة المناخ في وقت متأخر دون فرض ضريبة على الكربون.

ترجمة: نعيمة أبروش       Translated by Naaima Abarouch

https://prosyn.org/UFV2NeYar