laidi27_GettyImages_tugboatoceanfromabove Getty Images

نحو شراكة أوروبية باسيفيكية

باريس ــ بفضل الجهود التي بذلها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، نجحت قمة مجموعة العشرين التي استضافتها مدينة أوساكا في تجنب أسوأ النتائج المحتملة. وتُعَد هذه النتيجة انتصارا في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب. فبين أمور أخرى، أصدر قادة مجموعة العشرين بيانا ختاميا يؤكد على أهمية التجارة الحرة المفتوحة. وعلى هامش القمة، اتفقت الولايات المتحدة والصين على الهدنة في حربهما التجارية، في حين أعلن الاتحاد الأوروبي عن التوقيع على اتفاقيات تجارة حرة جيدة مع فيتنام وكتلة ميركوسور (الأرجنتين، والبرازيل، وباراجواي، وأوروجواي).

ومع ذلك، لا تزال المصادر الأساسية للشكوك وعدم اليقين الاقتصادي العالمي قائمة. وإلى أن يتم حل النزاع الصيني الأميركي، ستكون التدفقات التجارية عُرضة لخطر الإرباك السياسي. في محاولة لتجنب التحول إلى خسائر جانبية في صراع القوى العظمى الجديد، تجتمع اليابان، والاتحاد الأوروبي، وكندا، وأستراليا، وماليزيا، وغيرها الكثير معا لحماية مصالحها ونظام التجارة العالمي. وكل منها أقرت بأن القضايا الأكثر أهمية في مجال التجارة العالمية تنظيمية، ولا تتعلق بالتعريفات الجمركية بقدر ما ترتبط بسبل حماية الاستثمار، وإعانات الدعم المقدمة للمؤسسات المملوكة للدولة، والملكية الفكرية، وحماية البيئة، والعطاءات العامة المفتوحة، والتجارة الإلكترونية، وتدفق البيانات.

توصلت دراسة حديثة إلى أن الاتفاقية الشاملة التدرجية للشراكة عبر المحيط الهادئ، والاتفاقية الاقتصادية التجارية الشاملة بين الاتحاد الأوروبي وكندا، تلتقيان بالفعل حول معظم القضايا التنظيمية الرئيسية. ولكن مع اعتماد الدول إلى حد كبير على الدبلوماسية النشطة والقوة الناعمة، فإنها قد تخسر كل شيء بسبب الصراع الجيوسياسي المطول المتصاعد حيث قد تخضع لضغوط قوية لحملها على الانحياز إلى جانب أو آخر. ولكي يتسنى لها الدفاع عن مصالحها، يتعين عليها أن تضمن إخضاع التجارة العالمية لآليات موضوعية لتسوية المنازعات.

إن الالتزام بالتعددية ليس تأييدا للوضع الراهن. إذ تدرك البلدان الأعضاء في الاتفاقية الشاملة التدرجية للشراكة عبر المحيط الهادئ والاتفاقية الاقتصادية التجارية الشاملة بين الاتحاد الأوروبي وكندا أن النظام التجاري العالمي يعاني من مشاكل، بما في ذلك القواعد غير المكتملة أو العتيقة التي تفشل في وضع قضايا، مثل الشركات المملوكة للدولة، في الحسبان. لكنها تعلم أيضا أن الثنائية ــ دول صغيرة تحاول التفاوض على قدم المساواة مع قوى عظمى ــ ليست بالخيار الوارد. الحل إذن يكمن في إعادة التوازن والثقة إلى النظام التجاري المتعدد الأطراف، من خلال صياغة شراكة جديدة بين الاتحاد الأوروبي وبلدان الاتفاقية الشاملة التدرجية للشراكة عبر المحيط الهادئ.

الواقع أن الشراكة الأوروبية الباسيفيكية بين الاتحاد الأوروبي وبلدان الاتفاقية الشاملة التدرجية للشراكة عبر المحيط الهادئ من شأنها أن تمثل 31% من الدخل الوطني الإجمالي العالمي ونحو 40% من كل التجارة، مما يمنحها قدرا كبير من النفوذ والتأثير بما يسمح لها بوضع مبادئ ومعايير مشتركة للتجارة العالمية. وهذا الهدف في المتناول، لأن الاتحاد الأوروبي يقيم الآن اتفاقيات تجارية مع كل بلدان الاتفاقية الشاملة التدرجية للشراكة عبر المحيط الهادئ تقريبا، بما في ذلك فيتنام. علاوة على ذلك، لن تتطلب إقامة شراكة جديدة إبرام اتفاقية تجارية جديدة، بل مجرد توحيد للاتفاقيات القائمة.

الواقع أن أسباب تشكيل شراكة أوروبية باسيفيكية سياسية بقدر ما هي اقتصادية. ويتعين على الدول التي لا تزال ملتزمة بتعددية الأطراف أن تبعث برسالة قوية مفادها أنها ستدافع عن القيم والمؤسسات الليبرالية التي هجرتها دول أخرى أو أعلنت أنها عفا عليها الزمن.

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription
PS_Sales_Winter_1333x1000 AI

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription

At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.

Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.

Subscribe Now

وعلى هذا، ففي حين قد تبدأ شراكة جديدة بين الاتحاد الأوروبي وبلدان الاتفاقية الشاملة التدرجية للشراكة عبر المحيط الهادئ، فإنها يجب أن تظل مفتوحة لكل البلدان، شريطة أن تقبل قواعد ومبادئ معينة. وبالتالي، سوف تخدم العضوية كوثيقة تأمين في حال تجدد الصراع الصيني الأميركي. ونحن الآن نعلم أن الحرب التجارية التكنولوجية من شأنها أن تخلف عواقب بعيدة المدى على الاقتصاد العالمي. ومن الواضح أن أولئك الذين أصروا على أن سياسات الحماية من المستحيل أن تعود في عالم سلاسل القيمة العالمية كانوا مخطئين.

تقوم شراكتنا المقترحة على المبادئ الـ 12 التالية:

1-           الاعتراف بمنظمة التجارة العالمية باعتبارها المنتدى المركزي للنظام التجاري العالمي والمنصة الرئيسية لتسوية المنازعات.

2-           توضيح وتعميق وتحديث القواعد في المجالات ذات الأولوية في استحقاق إعانات الدعم الحكومية، ودور الشركات المملوكة للدولة، وفرض تدابير حماية الملكية الفكرية.

3-           تطوير قواعد جديدة ترتبط بالتجارة الإلكترونية ونقل البيانات بروح مسار أوساكا، والذي تبناه 24 موقعا في قمة مجموعة العشرين لصياغة إطار للحوكمة الرقمية.

4-           ضمان سلامة الاستثمار الأجنبي والقدرة على الوصول إلى الأسواق، حتى مع احتفاظ الدول بحرية تحديد سياساتها العامة.

5-           الشفافية والمعاملة بالمثل في الوصول إلى المشتريات العامة.

6-           الامتثال لاتفاقية باريس للمناخ التي أبرمت في عام 2015.

7-           احترام الحقوق والحريات الأساسية، بما في ذلك حرية تشكيل الجمعيات والمنظمات.

8-           احتمال إنشاء آلية حديثة مشتركة لتسوية المنازعات، بما يتفق مع مبادئ منظمة التجارة العالمية.

9-           الاتساق التنظيمي بين الاتحاد الأوروبي وبلدان الاتفاقية الشاملة التدرجية للشراكة عبر المحيط الهادئ.

10-     إنشاء آلية للمشاورات السياسية الرفيعة المستوى بين الاتحاد الأوروبي وبلدان الاتفاقية الشاملة التدرجية للشراكة عبر المحيط الهادئ.

11-     إنشاء فِرَق عاملة في جميع القطاعات حيث قد تؤدي المواقف المشتركة أو المنسجمة إلى تعزيز المصالح المشتركة للاقتصادات الأعضاء.

12-     الإرادة اللازمة لبناء منطقة سلام ورخاء خالية من المنافسة الجيوسياسية.

لن تنقذ هذه المبادئ وحدها التعددية. لكن البلدان التي لا تزال ملتزمة بمثال التعددية يتعين عليها أن تعمل على صياغة مسار جديد إلى الأمام. وبعد انعقاد قمة مجموعة الدول السبع في فرنسا الشهر المقبل، يتمثل الأمل في إقرار وتحديد الأنماط الدقيقة المحكمة لشراكة جديدة من قِبَل الاتحاد الأوروبي، واليابان، والصين بحلول نهاية 2020. الآن حان الوقت لأن يوحد أنصار التعددية جهودهم الجماعية في الدافع عن مبادئهم.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/lmKPk3ear