91e6620446f86f380e309b28_ms3805c.jpg Margaret Scott

سَجن الرُسُل

واشنطن العاصمة ـ مع نمو نفوذ الصين في الساحة العالمية، أصبح العالم يراقب عن كثب أكثر من أي وقت مضى لكي يتعرف على نوقع القوة العظمى التي سوف تصبح عليها الصين. وفي الشهر المقبل، عندما يتلقى المنشق الصيني ليو شيا باو جائزة نوبل للسلام، فإن الأنظار سوف تنصرف بعيداً عن الجوانب الأكثر تشجيعاً لما يحب قادة الصين أن يطلقوا عليه "نهضة" البلاد، وفي اتجاه إصرار هؤلاء القادة على إساءة معاملة مواطنيهم الأكثر صراحة. والواقع أن استجابة المسؤولين الصينيين الخرقاء لهذه الجائزة كانت سبباً في تقويض مشروع "القوة الناعمة" الصيني ـ السخي التمويل ـ في مختلف أنحاء العالم.

لقد استحق ليو الجائزة لأن التزامه طيلة حياته بالنشاط السياسي يجعل منه شخصاً استثنائيا. ولكن يتعين علينا أن نولي نفس القدر من الاهتمام لناشط صيني سجين آخر، لا تقل المحنة التي يعيشها على يد النظام القضائي الصيني خطورة عن المحنة التي يعيشها ليو ـ بل إنها أكثر كشفاً لحدود المعارضة المسموح بها.

كانت إحدى محاكم بكين قد أصدرت مؤخراً قراراً بإدانة زهاو ليان هاي، موظف مبيعات الإعلان السابق الذي يبلغ من العمر 38 عاما، "باستخدام قضية اجتماعية شعبية لتحريض الغوغاء... وتعطيل النظام الاجتماعي"، وعلى هذا فقد حكمت عليه بالسجن لمدة عامين ونصف العام.

وخلافاً لليو فإن زهاو لم يدع إلى تغيير النظام السياسي في الصين. بل لقد أمضى عامين في حشد الناس حول فكرة لا تثير أي جدال مفادها أن أسرته والعديد من الأسر الأخرى تستحق معاملة عادلة من مجموعة سانلو ديري، وهي الشركة التي تسببت في إصابة أطفال هذه الأسر بحصوات في الكلى من خلال إضافة مادة الميلامين الكيميائية المستخدمة في الصناعة إلى مسحوق حليب الأطفال.

ولم يكن زهاو راغباً في التحول إلى ناشط سياسي. وكان ولده الذي يبلغ من العمر ثلاثة أعوام محظوظاً فتعافى بسرعة بعد أن أصابه المرض هو ونحو ثلاثمائة ألف طفل آخر بعد تناول الحليب المغشوش في عام 2008. ولكن بعض الأطفال كانوا يتبولون دماً، كما عانى آخرون من مشاكل صحية طويلة الأمد، ومات منهم ستة على الأقل. ولقد رأي زهاو، الذي عمل ذات يوم لدى المؤسسة الحكومية التي تراقب سلامة المنتجات وأقام في العاصمة، رأي الفرصة لمساعدة الأسر الأقل حظا. لذا فقد أنشأ عدداً من المواقع على شبكة الإنترنت لمساعدة هذه الأسر في تبادل المعلومات الطبية، وجذب اهتمام وسائل الإعلام، وإقامة الدعاوى القضائية للمطالبة بالتعويض.

وفي مستهل الأمر، كانت الحملة ناجحة. وأعقب ذلك أحاديث مكثفة عن الحليب الصيني، وانهارت مجموعة سانلو ديري، وأعدِم اثنان من موردي مجموعة سانلو، وصدر الحكم على رئيسة المجموعة بالسجن مدى الحياة، واستن مجلس الشعب الصيني قانوناً جديداً لسلامة الغذاء.

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription
PS_Sales_Winter_1333x1000 AI

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription

At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.

Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.

Subscribe Now

ولكن بعد احتجاج زهاو وغيره من الآباء ضد خطة التعويضات التي أقرتها الحكومة بسبب عدم كفايتها لتغطية تكاليف الرعاية الطبية المستمرة لأطفالهم، بدءوا في تلقي التهديدات من الشرطة المحلية. وأغلقت المواقع التي أنشأها زهاو على الإنترنت بشكل متكرر، كما تلقى محامو المجموعة مكالمات هاتفية من السلطات تحثهم على التخلي عن القضية. وفي أواخر عام 2009 اعتقل زهاو رسميا؛ وظل محتجزاً لدى الشرطة منذ ذلك الوقت.

كانت حملة زهاو قائمة إلى حد كبير على اعتقاد واسع النطاق في الصين مفاده أنه على الرغم من انخراط بعض المسؤولين المحليين أو رجال الأعمال في أنشطة إجرامية، فإن الحكومة المركزية لا تتورع بمجرد إبلاغها بحقيقة الأمر عن معاقبة المجرمين وتحقيق العدالة.

إن نفس القادة الصينيين الذين يرفضون دعوة ليو إلى الإصلاح السياسي يزعمون أن ما يريده المواطنون الصينيون حقاً ليس الحقوق "على النمط الغربي، بل الضرورات الأساسية ـ المياه النظيفة، والفرص الاقتصادية، والغذاء الآمن ـ التي تسمح لأسرهم بالازدهار، والتي يستطيع النظام السياسي الصيني المحلي حمايتها بالقدر الكافي.

بيد أن إدانة زهاو، مثلها كمثل إساءة معاملة غيره من الناشطين الصينيين، ترسل إشارة مفادها أن المؤسسات القانونية الصينية، حين تجد نفسها في مواجهة تهديد للاستقرار الاجتماعي من منظورها، فإنها تعجز عن الاضطلاع بمهمة توفير الحماية الأساسية لمواطنيها. والواقع أن إحدى المناقشات المنشورة بشأن هذه القضية على شبكة تيانيا، وهي بوابة صينية شعبية على شبكة الإنترنت، تلقت فيضاً هائلاً من التعليقات التي عبرت عن الحيرة والغضب إزاء حكم الإدانة.

فكتب أحد المعلقين قائلا: "ليس لدي أطفال، ولكن قراءة هذا الكلام تجعل قلبي ينفطر".

وكتب آخر: "إذا سارت الأمور على هذا النحو، فلن يكون لبلدنا أي مستقبل".

وفي هونج كونج أثار الحكم الصادر في حق زهاو احتجاجات شعبية خارج مكاتب الحكومة واعتراضات رسمية من المسؤولين المحليين. والواقع أن ردود الفعل من هذا القبيل لابد وأن تكون أكثر إثارة للقلق في نظر قادة الصين من توبيخ صادر عن مجموعة نرويجية. إن حلفاء زهاو لا يقصدون "إذلال الصين"، بل إنهم مثل هؤلاء في مختلف أنحاء العالم الذين يعتقدون أن الصين تستحق الثناء لما حققته من إنجازات مبهرة ـ مثل ليو تشاو بو ذاته ـ يريدون لبلادهم أن تعمل على إنشاء مؤسسات حاكمة تليق بمكانتها الاقتصادية المتنامية.

وكذلك حال جيران الصين وشركائها العالميين ـ لأسباب ترتبط بالمصالح الذاتية بقدر ما ترتبط بالقيم السياسية. وإذا كان للصين أن تحترم التزاماتها فيما يتصل بمجموعة واسعة من القضايا الدولية ـ التجارة وسلامة المنتجات، وحماية البيئة، على سبيل المثال لا الحصر ـ وأن تعمل على بناء الثقة الحقيقية واكتساب الاحترام في الداخل والخارج، فيتعين عليها أن تحتضن أمثال زهاو، لا أن تخرسهم.

https://prosyn.org/sdFAqx0ar