نيويوركــ تمكن الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينج من احتواء التوترات بين الولايات المتحدة والصين في عام 2024. ولكن عندما يعود دونالد ترمب إلى البيت الأبيض هذا الشهر، سينهي هذا الاستقرار الهش، ويدفع نحو انفصال غير منضبط لأهم علاقة جيوسياسية في العالم، ويزيد من خطر حدوث ارتباكات وأزمات اقتصادية عالمية.
سيبدأ ترمب ولايته الثانية بالإعلان عن فرض رسوم جمركية جديدة على السلع الصينية، بهدف إرغام الصين على قبول اتفاق اقتصادي جديد. ورغم أن الرسوم الجمركية الجديدة لن تصل إلى نسبة 60% الشاملة التي هدد بفرضها أثناء حملته الانتخابية، فمن المرجح أن يتضاعف المعدل الأعلى على جميع الواردات الصينية إلى نحو 25% بحلول نهاية عام 2025. في غضون ذلك، سيرد القادة الصينيون بقوة أكبر وسوف يقدمون تنازلات أقل من تلك التي قدموها أثناء ولاية ترمب الأولى، على الرغم من استمرار ضعف الاقتصاد الصيني.
في نهاية المطاف، يخشى قادة الصين أن يُنظر إلى نهج تصالحي على أنه قبول للإذلال الوطني، والذي من شأنه أن يؤجج الغضب الشعبي المتصاعد بالفعل داخل الصين. إذا كان اتباع نهج أكثر إيجابية في التعامل مع الولايات المتحدة في عام 2024 لم يجلب سوى عودة "رجل التعريفات"، فلماذا التمسك بهذا المسار؟ إن تهديدات ترمب ليست سوى أحدث بادرة عدوانية من جانب الولايات المتحدة، والتي تؤكد الشكوك الصينية بأن صناع السياسة الأميركية عازمون على احتواء بروز الصين كقوة عظمى.
يتمثل الموضوع الأكثر حساسية في العلاقات الأميركية الصينية في السياسة التكنولوجية. إذ تعترض الصين على ما تعتبره محاولات أميركية لتجميد تطورها التكنولوجي وإبطاء صعودها الاقتصادي. سوف يضيف فريق ترمب الأمني عددا أكبر من الشركات الصينية إلى "قائمة الكيانات" التي تصدرها وزارة التجارة الأميركية، لتزداد الصعوبة التي تواجهها في الحصول على التكنولوجيا الأميركية، وسوف يعمل على توسيع نطاق ضوابط التصدير لتشمل مزيدا من القطاعات الاقتصادية.
على سبيل المثال، سيحذو ترمب حذو إدارة بايدن في تقييد تصدير رقائق الكمبيوتر المتقدمة إلى شركات التكنولوجيا الصينية. وقد أبدت الصين بالفعل استعدادها للرد على مثل هذه الإجراءات بتقييد صادراتها من المعادن الحرجة والتكنولوجيا المستخدمة في معالجتها. تشكل هذه المعادن أهمية شديدة لإنتاج مجموعة واسعة من التكنولوجيات الحديثة، بما في ذلك بطاريات المركبات الكهربائية، وأجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات الاستهلاكية، وعدد كبير من المنتجات التي ترى الولايات المتحدة أنها تشكل ضرورة أساسية لحماية أمنها القومي.
برغم أن تايوان ليست معرضة لخطر الغزو الصيني في عام 2025، فيكاد يكون من المؤكد أن الخلافات حول الجزيرة ستجعل العلاقات الصينية الأميركية أشد سلبية وتعقيدا هذا العام. يبدو أن ترمب نفسه غير مهتم بتايوان. لكن الأعضاء الأكثر تشددا في إدارته، بما في ذلك ماركو روبيو، مرشحه لمنصب وزير الخارجية، ومستشار الأمن القومي القادم مايك والتز، سيدفعون ليس فقط باتجاه توثيق العلاقات الأميركية التايوانية بل وأيضا نحو ضمان أميركي أكثر وضوحا لأمن تايوان. وهذا خط أحمر صارخ من منظور الصين.
At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.
Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.
Subscribe Now
في الوقت الحالي، يعتقد قادة الصين أن تكتيكاتهم الضاغطة أبقت رئيس تايوان القومي، ويليام لاي، تحت السيطرة، وهم محقون في الأرجح. فمع بقاء اقتصاد تايوان قويا، لا يحتاج لاي إلى استفزاز الصين لتعزيز شعبيته بين عامة الناس.
ولكن إذا تصورت الصين أن تايوان اتخذت خطوات كبيرة نحو استقلال فعلي أكبر، أو إذا تجاوزت الولايات المتحدة أيا من خطوط الصين الحمراء الأخرى (على سبيل المثال، إذا زار روبيو الجزيرة أو رست سفن البحرية الأمريكية في ميناء تايواني)، فقد تقرر الصين التصعيد عسكريا. وقد يتخذ ذلك هيئة حصار بحري أو الاستيلاء على إحدى جزر تايوان الخارجية. علاوة على ذلك، ستزداد هذه المخاطر مع اقتراب موعد انتخابات تايوان في عام 2028، ومع تكثيف الصين للضغوط لمنع فوز لاي مرة أخرى.
لا ترغب الصين ولا الولايات المتحدة في حدوث أزمة في عام 2025 لأن كلا من شي وترمب يأمل في التركيز على السياسة الداخلية. يواجه شي تحديات اقتصادية خطيرة، ومخاوف متزايدة بشأن الاستقرار الاجتماعي، فضلا عن قيادة عسكرية في حالة من الفوضى. بينما يريد ترمب تجنب أي مشكلة قد تغرق سوق الأسهم الأميركية ويأمل في إبرام صفقات تعزز الثقة في قيادته. وفي ظل حكومة موحدة وسيطرة موحدة من جانب حزبه، يصبح ترمب في وضع أفضل مما كان عليه بايدن في أي وقت فيما يتصل بضمان تـَحَـدُّث الولايات المتحدة بصوت واحد.
تكمن المشكلة في غياب أي أساس لاتفاق يعزز العلاقات الأمريكية الصينية في عموم الأمر. قد يكون بوسع حكومة شي أن تعرض شراء مزيد من المنتجات الزراعية وصادرات الطاقة الأميركية، ومن الممكن أن تعمل على تسهيل الحياة على الشركات الأميركية التي ترغب في مزاولة أعمال تجارية في الصين. بالإضافة إلى هذا، يستطيع شي أن يعطي الضوء الأخضر لمزيد من الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة وربما حتى الاضطلاع بدور داعم أكثر فاعلية في التوصل إلى وقف إطلاق النار في أوكرانيا.
مثل هذه اللفتات البنّـاءة لن ترضي ترمب والصقور في إدارته، الذين يعتقدون أن صعود الصين لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة. وسوف يتسبب تصميم ترمب على تشديد الضغط على الصين واقتصادها المتعثر في دفع قادة الصين في الاتجاه المعاكس.
في الوقت ذاته، قد تؤثر اثنتان من البطاقات غير المتوقعة على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين هذا العام: ترمب نفسه ومستشاره المفضل الجديد إيلون ماسك. فقد يحاول ترمب بناء علاقة شخصية أفضل مع شي، وقد تجعل مصالح ماسك التجارية العديدة في الصين منه وسيطا مفيدا. لكن القوى التي تدفع بالولايات المتحدة والصين إلى التباعد أقوى كثيرا مما يسمح به أي من هذين الاحتمالين.
سوف تكون التأثيرات المترتبة على الانهيار القادم في العلاقات محسوسة في مختلف أنحاء العالم. الواقع أن أغلب الدول ليس لديها مصلحة في نشوب حرب باردة جديدة، وهذا يجعل هذا الاحتمال مستبعدا في الأمد القريب. لكن حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين وشركاءها التجاريين مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، والمكسيك، والاتحاد الأوروبي، قد يضطرون على نحو متزايد إلى اختيار أحد الجانبين ــ على الأقل في المجالات المرتبطة بالأمن ــ بتكلفة ضخمة تتحملها اقتصاداتهم.
حتى لو لم ترغب الصين ولا الولايات المتحدة في مواجهة مكلفة في عام 2025، فإن الإشارات المبكرة من كلا الجانبين تشير إلى أن صراعا متصاعدا أصبح تجنبه أمرا متزايد الصعوبة.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
Less than two months into his second presidency, Donald Trump has imposed sweeping tariffs on America’s three largest trading partners, with much more to come. This strategy not only lacks any credible theoretical foundations; it is putting the US on a path toward irrevocable economic and geopolitical decline.
Today's profound global uncertainty is not some accident of history or consequence of values-free technologies. Rather, it reflects the will of rival great powers that continue to ignore the seminal economic and social changes underway in other parts of the world.
explains how Malaysia and other middle powers are navigating increasingly uncertain geopolitical terrain.
نيويوركــ تمكن الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينج من احتواء التوترات بين الولايات المتحدة والصين في عام 2024. ولكن عندما يعود دونالد ترمب إلى البيت الأبيض هذا الشهر، سينهي هذا الاستقرار الهش، ويدفع نحو انفصال غير منضبط لأهم علاقة جيوسياسية في العالم، ويزيد من خطر حدوث ارتباكات وأزمات اقتصادية عالمية.
سيبدأ ترمب ولايته الثانية بالإعلان عن فرض رسوم جمركية جديدة على السلع الصينية، بهدف إرغام الصين على قبول اتفاق اقتصادي جديد. ورغم أن الرسوم الجمركية الجديدة لن تصل إلى نسبة 60% الشاملة التي هدد بفرضها أثناء حملته الانتخابية، فمن المرجح أن يتضاعف المعدل الأعلى على جميع الواردات الصينية إلى نحو 25% بحلول نهاية عام 2025. في غضون ذلك، سيرد القادة الصينيون بقوة أكبر وسوف يقدمون تنازلات أقل من تلك التي قدموها أثناء ولاية ترمب الأولى، على الرغم من استمرار ضعف الاقتصاد الصيني.
في نهاية المطاف، يخشى قادة الصين أن يُنظر إلى نهج تصالحي على أنه قبول للإذلال الوطني، والذي من شأنه أن يؤجج الغضب الشعبي المتصاعد بالفعل داخل الصين. إذا كان اتباع نهج أكثر إيجابية في التعامل مع الولايات المتحدة في عام 2024 لم يجلب سوى عودة "رجل التعريفات"، فلماذا التمسك بهذا المسار؟ إن تهديدات ترمب ليست سوى أحدث بادرة عدوانية من جانب الولايات المتحدة، والتي تؤكد الشكوك الصينية بأن صناع السياسة الأميركية عازمون على احتواء بروز الصين كقوة عظمى.
يتمثل الموضوع الأكثر حساسية في العلاقات الأميركية الصينية في السياسة التكنولوجية. إذ تعترض الصين على ما تعتبره محاولات أميركية لتجميد تطورها التكنولوجي وإبطاء صعودها الاقتصادي. سوف يضيف فريق ترمب الأمني عددا أكبر من الشركات الصينية إلى "قائمة الكيانات" التي تصدرها وزارة التجارة الأميركية، لتزداد الصعوبة التي تواجهها في الحصول على التكنولوجيا الأميركية، وسوف يعمل على توسيع نطاق ضوابط التصدير لتشمل مزيدا من القطاعات الاقتصادية.
على سبيل المثال، سيحذو ترمب حذو إدارة بايدن في تقييد تصدير رقائق الكمبيوتر المتقدمة إلى شركات التكنولوجيا الصينية. وقد أبدت الصين بالفعل استعدادها للرد على مثل هذه الإجراءات بتقييد صادراتها من المعادن الحرجة والتكنولوجيا المستخدمة في معالجتها. تشكل هذه المعادن أهمية شديدة لإنتاج مجموعة واسعة من التكنولوجيات الحديثة، بما في ذلك بطاريات المركبات الكهربائية، وأجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات الاستهلاكية، وعدد كبير من المنتجات التي ترى الولايات المتحدة أنها تشكل ضرورة أساسية لحماية أمنها القومي.
برغم أن تايوان ليست معرضة لخطر الغزو الصيني في عام 2025، فيكاد يكون من المؤكد أن الخلافات حول الجزيرة ستجعل العلاقات الصينية الأميركية أشد سلبية وتعقيدا هذا العام. يبدو أن ترمب نفسه غير مهتم بتايوان. لكن الأعضاء الأكثر تشددا في إدارته، بما في ذلك ماركو روبيو، مرشحه لمنصب وزير الخارجية، ومستشار الأمن القومي القادم مايك والتز، سيدفعون ليس فقط باتجاه توثيق العلاقات الأميركية التايوانية بل وأيضا نحو ضمان أميركي أكثر وضوحا لأمن تايوان. وهذا خط أحمر صارخ من منظور الصين.
Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription
At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.
Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.
Subscribe Now
في الوقت الحالي، يعتقد قادة الصين أن تكتيكاتهم الضاغطة أبقت رئيس تايوان القومي، ويليام لاي، تحت السيطرة، وهم محقون في الأرجح. فمع بقاء اقتصاد تايوان قويا، لا يحتاج لاي إلى استفزاز الصين لتعزيز شعبيته بين عامة الناس.
ولكن إذا تصورت الصين أن تايوان اتخذت خطوات كبيرة نحو استقلال فعلي أكبر، أو إذا تجاوزت الولايات المتحدة أيا من خطوط الصين الحمراء الأخرى (على سبيل المثال، إذا زار روبيو الجزيرة أو رست سفن البحرية الأمريكية في ميناء تايواني)، فقد تقرر الصين التصعيد عسكريا. وقد يتخذ ذلك هيئة حصار بحري أو الاستيلاء على إحدى جزر تايوان الخارجية. علاوة على ذلك، ستزداد هذه المخاطر مع اقتراب موعد انتخابات تايوان في عام 2028، ومع تكثيف الصين للضغوط لمنع فوز لاي مرة أخرى.
لا ترغب الصين ولا الولايات المتحدة في حدوث أزمة في عام 2025 لأن كلا من شي وترمب يأمل في التركيز على السياسة الداخلية. يواجه شي تحديات اقتصادية خطيرة، ومخاوف متزايدة بشأن الاستقرار الاجتماعي، فضلا عن قيادة عسكرية في حالة من الفوضى. بينما يريد ترمب تجنب أي مشكلة قد تغرق سوق الأسهم الأميركية ويأمل في إبرام صفقات تعزز الثقة في قيادته. وفي ظل حكومة موحدة وسيطرة موحدة من جانب حزبه، يصبح ترمب في وضع أفضل مما كان عليه بايدن في أي وقت فيما يتصل بضمان تـَحَـدُّث الولايات المتحدة بصوت واحد.
تكمن المشكلة في غياب أي أساس لاتفاق يعزز العلاقات الأمريكية الصينية في عموم الأمر. قد يكون بوسع حكومة شي أن تعرض شراء مزيد من المنتجات الزراعية وصادرات الطاقة الأميركية، ومن الممكن أن تعمل على تسهيل الحياة على الشركات الأميركية التي ترغب في مزاولة أعمال تجارية في الصين. بالإضافة إلى هذا، يستطيع شي أن يعطي الضوء الأخضر لمزيد من الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة وربما حتى الاضطلاع بدور داعم أكثر فاعلية في التوصل إلى وقف إطلاق النار في أوكرانيا.
مثل هذه اللفتات البنّـاءة لن ترضي ترمب والصقور في إدارته، الذين يعتقدون أن صعود الصين لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة. وسوف يتسبب تصميم ترمب على تشديد الضغط على الصين واقتصادها المتعثر في دفع قادة الصين في الاتجاه المعاكس.
في الوقت ذاته، قد تؤثر اثنتان من البطاقات غير المتوقعة على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين هذا العام: ترمب نفسه ومستشاره المفضل الجديد إيلون ماسك. فقد يحاول ترمب بناء علاقة شخصية أفضل مع شي، وقد تجعل مصالح ماسك التجارية العديدة في الصين منه وسيطا مفيدا. لكن القوى التي تدفع بالولايات المتحدة والصين إلى التباعد أقوى كثيرا مما يسمح به أي من هذين الاحتمالين.
سوف تكون التأثيرات المترتبة على الانهيار القادم في العلاقات محسوسة في مختلف أنحاء العالم. الواقع أن أغلب الدول ليس لديها مصلحة في نشوب حرب باردة جديدة، وهذا يجعل هذا الاحتمال مستبعدا في الأمد القريب. لكن حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين وشركاءها التجاريين مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، والمكسيك، والاتحاد الأوروبي، قد يضطرون على نحو متزايد إلى اختيار أحد الجانبين ــ على الأقل في المجالات المرتبطة بالأمن ــ بتكلفة ضخمة تتحملها اقتصاداتهم.
حتى لو لم ترغب الصين ولا الولايات المتحدة في مواجهة مكلفة في عام 2025، فإن الإشارات المبكرة من كلا الجانبين تشير إلى أن صراعا متصاعدا أصبح تجنبه أمرا متزايد الصعوبة.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali