strain29_ Bonnie CashGetty Images_powell Bonnie Cash/Getty Images

لا ينبغي للاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة بَـعد

واشنطن، العاصمةــ مع هُـمود التضخم وارتفاع معدلات البطالة في الولايات المتحدة، يراهن المستثمرون على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة. في وقت كتابة هذه السطور، تشير أسعار السوق ضمنا إلى احتمالات أقل من 2% بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يخفض أسعار الفائدة في اجتماعه لتحديد السياسات في سبتمبر/أيلول، بل وتشير حتى إلى احتمالات بنسبة 7% بأنه سيخفض أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل في وقت لاحق من هذا الشهر.

الواقع أن الحجة لصالح خفض أسعار الفائدة واضحة وبسيطة. فوفقا لقياس مؤشر أسعار المستهلك، لم تشهد الولايات المتحدة أي تضخم في مايو/أيار، وفي يونيو/حزيران شهدت انكماشا. في الوقت ذاته، كان معدل البطالة يتجه نحو الارتفاع منذ الصيف الماضي. فعند مستوى 4.1%، يزيد بنحو 70 نقطة أساس عن أدنى مستوى بلغه بعد الجائحة.

عندما يرتفع معدل البطالة قليلا، فإنه يرتفع كثيرا، ولهذا السبب يعتقد كثيرون أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يعلن النصر في معركته ضد التضخم ويبدأ دورة خفض أسعار الفائدة. لكن هذا الرأي، برغم أنه معقول، جانبه الصواب، لأنه يسيء قراءة توقعات التضخم وسوق العمل. لا ينبغي لبنك الاحتياطي الفيدرالي أن يخفض أسعار الفائدة في سبتمبر/أيلول، وبالتأكيد ليس هذا الشهر.

يستهدف الاحتياطي الفيدرالي مؤشر الأسعار على نفقات الاستهلاك الشخصي، وليس مؤشر أسعار المستهلك. ومثله كمثل تضخم مؤشر أسعار المستهلك، تباطأ تضخم نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي في مايو/أيار (لم تتوفر بيانات يونيو/حزيران بعد). ولكن باستخدام هذا المقياس، من المرجح أن تنمو الأسعار الشهرية بنحو 0.2% في يونيو/حزيران. ووفقا لحساباتي، إذا استمرت هذه الوتيرة، فسوف يظل التضخم الأساسي عالقا بين 2.6% و3% لبقية عام 2024 ــ وهذا يتجاوز كثيرا هدف الاحتياطي الفيدرالي عند مستوى 2%.

بالإضافة إلى حالة انعدام اليقين حول ما إذا كان التضخم يتحرك بشكل مستدام نحو هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي، تظل المحركات الأساسية للطلب الاستهلاكي قوية. إذ يعمل انخفاض معدلات البطالة على زيادة المكاسب. وكانت الأجور المتوسطة في نمو بسرعة أكبر من نمو أسعار المستهلك لأكثر من عام، فعمل هذا على تعزيز قدرة الأُسَر الشرائية. كما أن تدفقات الدخل الثابت كانت قوية، وقد شهد حاملو الأصول انفجارا في الثروة من الإسكان والأسهم. كل هذا من شأنه أن يدعم الإنفاق الاستهلاكي، ويفرض على الأسعار ضغوطا تدفعها إلى الارتفاع.

علاوة على ذلك، في أعقاب صدور بيانات مبيعات التجزئة الأقوى من المتوقع لشهر يونيو/حزيران، تشير تقديرات نموذج "الناتج المحلي الإجمالي الآن" التابع لبنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا إلى نمو الاقتصاد الحقيقي بنسبة 2.5% في الربع الثاني. وربما يكون بوسعنا أن نقول إن معدل النمو هذا سيفرض على الأسعار ضغوطا تدفعها إلى الارتفاع.

PS Events: Climate Week NYC 2024
image (24)

PS Events: Climate Week NYC 2024

Project Syndicate is returning to Climate Week NYC with an even more expansive program. Join us live on September 22 as we welcome speakers from around the world at our studio in Manhattan to address critical dimensions of the climate debate.

Register Now

صحيح أن سوق العمل تضعف، لكنها لا تزال قوية. ووفقا لحساباتي، يستمر الطلب على العمالة في تجاوز المعروض منها. وتعود فرص العمل إلى طبيعتها، لكنها تظل أعلى بنسبة 17% من المستوى الذي كانت عليه قبل الجائحة.

ينعكس هذا في تضخم الأجور. فقد سجلت الأجور المتوسطة نموا بنسبة 3.9% في يونيو/حزيران على أساس سنوي. وفي حين انخفض تضخم الأجور (بموجب هذا المقياس) بنحو 80 نقطة أساس في العام الماضي، فلا تزال الأجور تنمو بمعدل أسرع مما يتفق مع هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي لتضخم أسعار المستهلك.

لا شك أن اقتران تباطؤ التضخم بتراجع سوق العمل يشير إلى أن موقف السياسة الأقل تقييدا ​​أمر مستحسن. لكن ما يهم السياسة النقدية هو الظروف المالية العامة، وليس مجرد سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية. منذ تحول اتجاه بنك الاحتياطي الفيدرالي في نوفمبر/تشرين الثاني، أدى ارتفاع أسعار الأسهم وانخفاض أسعار الفائدة الطويلة الأجل وفوارق الائتمان إلى تهدئة الظروف المالية بدرجة كبيرة. وقد تراجع قدر كبير من التشديد المالي الناجم عن سعر فائدة الاحتياطي الفيدرالي المرتفع نسبيا. ويبدو أن الأسواق تقوم بعمل الاحتياطي الفيدرالي نيابة عنه. وقد صَرَّحَ رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بما يشبه هذا في شهادته أمام الكونجرس الأسبوع الماضي: "يبدو الأمر وكأن السياسة تقييدية، لكنها ليست شديدة التقييد".

لا تشير الظروف الاقتصادية الحالية إلى أن الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يبدأ خفض أسعار الفائدة في الشهرين المقبلين. بدلا من ذلك، نجد أن الاستنتاج الضمني أكثر تواضعا: إذ يشير ارتفاع معدلات البطالة وبقاء التضخم الأساسي عند مستوى أقل من 3٪ إلى أن الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يبدأ في الانتباه إلى جانبي تفويضه المزدوج.

قد لا يكون الوقت مناسبا لخفض أسعار الفائدة، لكن الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يكون مستعدا لخفضها ــ وخاصة إذا اتخذت سوق العمل منعطفا دراماتيكيا نحو الأسوأ، أو إذا أظهرت قراءات نفقات الاستهلاك الشخصي المرتين التاليتين أدلة واضحة تؤكد أن التضخم الأساسي يتحرك بشكل مستدام نحو هدف الاحتياطي الفيدرالي. لكن الخطر المتمثل في ثبات التضخم عند مستوى أعلى من 2.5٪ أكبر من أن يسمح لصناع السياسات بخفض أسعار الفائدة الآن.

لقد دخل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الميل الأخير في معركته ضد التضخم. ولا يجوز له في ظل المخاطر التي تهدد مصداقيته أن يتراجع قبل أن يَـبـلُـغ خط النهاية.

ترجمة: إبراهيم محمد علي        Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/zRXDMvrar