rainsy4_Omar HavanaGetty Images_cnrpprotestskemsokha Omar Havana/Getty Images

سقوط المعارضة الكمبودية وصعودها

باريس- بعد حوالي سبعة عقود من استقلال كمبوديا عن فرنسا، لا يزال شعبها يناضل من أجل الحق في تقرير مستقبله. ولكن، اليوم، ليست قوة خارجية من يسرق استقلال الكمبوديين، بل حكومتهم الاستبدادية، بقيادة هون سن، أطول رئيس وزراء حكما في العالم. ويجب إيقاف هذا الاخير، وسأعود هذا الشهر إلى بلدي للمساعدة في تحقيق ذلك.

إن هون سن، عضو سابق في الخمير الحمر- المجموعة المسؤولة عن قتل ما يقرب من ربع سكان كمبوديا البالغ عددهم سبعة ملايين، بين عامي 1975 و1979- لا يفهم سوى نوع واحد من الحكم: حكم الرجل القوي، القائم على العنف والتخويف. وهكذا، ظل يعمل منذ 34 عامًا لتحويل ديمقراطية كمبوديا إلى دكتاتورية، بهدف تسليم السيطرة إلى أحد أبنائه.

ولتحقيق هذا الهدف، فَكَّك هون سن قوات المعارضة بشكل منهجي- ولا سيما حزب الإنقاذ الوطني في كمبوديا. وباعتبار هذا الحزب، الذي أسسته أنا، وسخيم في عام 2012، أول حزب معارض ديمقراطي متحد في كمبوديا، فهو يخيف هون سن، لأنه الحزب الوحيد القادر على توفير بديل لديكتاتوريته.

واتضح هذا في الانتخابات العامة لعام 2013، والانتخابات الجماعية لعام 2017: في كلتا الحالتين، فاز حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي بحوالي نصف الأصوات. أضف إلى ذلك، استطلاع للرأي في عام 2016 أشار إلى مستويات دعم أعلى لـنفس الحزب، وكان هون سن يعلم أنه كان عليه أن يتخذ إجراءً صارمًا للحفاظ على قبضته على السلطة.

وفي سبتمبر/ أيلول 2017، اعتقل هون سن كيم سوخا، رئيس حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي، بتهم ذات دوافع سياسية. وقضى عاما في السجن، ولا يزال تحت الإقامة الجبرية دون محاكمة، فيما يعد انتهاكا للدستور الكمبودي. وألقي القبض على العديد من شخصيات المعارضة الأخرى، أو تعرضت للمضايقة أو الضرب؛ وأجبر البعض، بمن فيهم أنا، على الذهاب إلى المنفى.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، فكَّت إحدى المحاكم حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي، بناءً على أوامر تنفيذية. وقد مهد ذلك الطريق لحزب الشعب الكمبودي بقيادة هون سن لتحقيق فوز ساحق في الانتخابات العامة لعام 2018. ومع عدم وجود معارضة حقيقية، أعطى التصويت الوهمي حزب الشعب الكمبودي جميع المقاعد في الجمعية الوطنية.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

وسيكون من الصعب تخيل حدوث انتهاك صارخ لاتفاقيات باريس للسلام لعام 1991، التي أنهت الحرب الأهلية الوحشية في كمبوديا، والتي نصت على نظام ديمقراطي تعددي. ومع ذلك، استمرت الحملة على المعارضة دون عقاب. ولم تعد هناك صحافة حرة ومستقلة.

إن دكتاتورية هون سن قد عرّضت الاقتصاد لخطر جسيم أيضا. إذ تواجه كمبوديا الآن خطر فقدان دخولها المعفي من الرسوم الجمركية إلى سوق الاتحاد الأوروبي، والذي يتم عن طريق نظام التجارة القائم على مبادرة كل شيء إلا الأسلحة للاتحاد، ودخولها إلى سوق الولايات المتحدة، بصفتها دولة مستفيدة من نظام الأفضليات المعمم.

إن إحدى الخسارتين، من شأنها تدمير اقتصاد كمبوديا، فما بالك إن اجتمعتا معا. (لا يتوقع من الصين، المثقلة بمشاكلها الاقتصادية والسياسية، أن تستغل الركود.) وستضيع مئات الآلاف من الوظائف. وستصبح التوقعات بالنسبة لسكان كمبوديا المكونة غالبيتهم من الشباب أكثر كآبة.

ولكن المعارضة الكمبودية المنفية تتصدى لهذا. إذ في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، سنعود إلى بلدنا للمطالبة بأن يغير هون سان المسار. وليس من المستغرب أن يكون هو ودائرته الداخلية غاضبين من خططنا، مدعيين أنها تصل إلى حد محاولة الانقلاب. ولكن سياساتهم هي التي تعرض حكمهم للخطر.

إن الحرية السياسية والازدهار الاقتصادي يسيران جنبا إلى جنب. ويظهر التاريخ أن التطورات الاقتصادية الضارة يمكن أن تغذي الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، حتى في ظل نظام استبدادي قاس. ومن الأمثلة على ذلك، انتفاضات الربيع العربي لعام 2011، التي نشأت بسبب ارتفاع أسعار القمح في تونس.

وإذا لم يستطع هون سن فهم التهديد الذي يشكله فقدان أسواق التصدير الرئيسية في كمبوديا للاقتصاد- وبالتأكيد لنظامه- فيجب عليه أن يفسح المجال أمام شخص يفهم ذلك. ويجب عليه ألا يسمح أن تتحول كمبوديا، التي تحمل ندوبا جراء أعمال عنف حدثت في الماضي، إلى بؤرة لسفك الدماء مرة أخرة .

ومما لا شك فيه أن كمبوديا قادرة على حل النزاعات بدون عنف. وعلى عكس العديد من المستعمرات الأوروبية السابقة، حققنا الاستقلال بسلام، عن طريق اتفاق تفاوضي. وبإرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف، يمكن تكرار هذا النجاح اليوم.

ويتطلب هذا، أولاً وقبل كل شيء، الإفراج عن كيم سوخا، وإعادة تنصيب حزب الإنقاذ الوطني الكامبودي، وجدول زمني (قصير نسبيًا) لإجراء انتخابات وطنية حرة ونزيهة. ولكن بدلا من دعم الحل السلمي للأزمة السياسية والاقتصادية في كمبوديا، وعد هون سن بقطع أصابع أي شخص يظهر "تسعة أصابع" لدعم عودتنا، والقبض على أي شخص يأتي لاستقبالنا. وفي هذه الحالة، ربما سيحتاج إلى سجن به مساحة تسع لما لا يقل عن مليون شخص- وربما أكثر من ذلك بكثير.

ولكن يجب أن لا يترك الكمبوديون وحدهم في مواجهة نظام هون سن. بل يجب على جميع أصدقاء كمبوديا، وخاصة الدول الـ18 الموقعة على اتفاقات باريس للسلام، بذل كل ما في وسعها لثني ديكتاتور كمبوديا عن استخدام العنف ضد شعبه، لمجرد المطالبة بالحقوق والحريات التي تضمنها المعاهدة الدولية.

وعندما نصل إلى الوطن هذا الشهر، سندافع عن الديمقراطية الكمبودية. ونأمل أن يقف المجتمع الدولي معنا.

ترجمة: نعيمة أبروش   Translated by Naaima Abarouch

https://prosyn.org/hjAhyGUar