lin27_ LEWIS JOLYPOOLAFP via Getty Images)_paris summit LEWIS JOLY/POOL/AFP via Getty Images)

ما الذي فات مؤتمر باريس لتمويل التنمية

بكين - على الرغم من أن القمة الأخيرة التي عقدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن ميثاق تمويل عالمي جديد قد تمخضت عن "خارطة طريق" من أجل إصلاح النظام المالي العالمي، فإن من غير المرجح أن تؤدي الإصلاحات المقترحة إلى جمع رأس المال الخاص وبالحجم المطلوب للتخفيف من تغير المناخ. إن أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أن خارطة الطريق فشلت إلى حد كبير في إزالة الحواجز التي تمنع صناديق التقاعد وغيرها من المؤسسات المستثمرة الكبيرة من العمل مع بنوك التنمية متعددة الأطراف، وفي حين أن الأحكام المقترحة لزيادة ضمانات العملات الأجنبية وتوحيد مخاطر العملة مفيدة، فإن من غير المرجح أن تكون كافية.

تتمثل إحدى المشكلات الخطيرة في تمويل المناخ العالمي اليوم في أن حصة صغيرة منه فقط تذهب إلى البلدان النامية. تقدر وكالة الطاقة الدولية أنه لتحقيق صافي صفر انبعاثات بحلول عام 2050، يجب زيادة الإنفاق الرأسمالي على الطاقة النظيفة في هذه الاقتصادات من أقل من 150 مليار دولار في عام 2020 إلى أكثر من تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2030. وهناك تقديرات أخرى تتجاوز ذلك المبلغ.

يجب أن يأتي حوالي 70٪ من هذا الاستثمار في الطاقة النظيفة من مصادر خاصة. يمول القطاع الخاص حاليًا 81٪ من الاستثمار الأخضر في البلدان المرتفعة الدخل، ولكنه يمول 14٪ فقط في البلدان النامية حيث يمكن أن تصل تكاليف التمويل إلى سبعة أضعاف.

لقد حاولت بنوك التنمية المتعددة الأطراف لسنوات توسيع تمويل التنمية "من المليارات إلى التريليونات" وذلك من خلال جمع رأس المال الخاص ولكنها فشلت في ذلك. لقد تم تعطيل عمل بنوك التنمية متعددة الأطراف في هذا الخصوص بسبب الهياكل المؤسسية لتلك البنوك والتي عفا عليها الزمن. عندما تأسس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في عام 1944، كان الإنفاق العام هو السائد. لقد كانت الولايات المتحدة في تلك الفترة في نهاية أكبر برنامج للإنفاق العام تم تنفيذه على الإطلاق وهو الحشد المتعلق بالحرب العالمية الثانية. لقد كانت ذكرى الصفقة الجديدة لرئيس الولايات المتحدة فرانكلين دي روزفلت لا تزال في الاذهان، وكان الاقتصاد الكينزي يشعر بنشوة الانتصار وكان ميلتون فريدمان والذي تخصص لاحقًا في التصدي بشكل أساسي لذلك الاقتصاد في ذلك الوقت لا يزال يكمل أطروحة الدكتوراه في جامعة كولومبيا. لقد كانت مبادئ حوكمة الشركات والممارسات والضمانات التي يتم اعتبارها الآن كأمر مسلم به في أي مؤسسة مالية أو شركة كبيرة لا تزال في مهدها.

علاوة على ذلك، نما حجم القطاع المالي كحصة من الاقتصاد العالمي بشكل كبير منذ أربعينيات القرن الماضي علمًا أنه في تلك الفترة كان الاستثمار في المحافظ عبر الحدود والاستثمار المباشر محصورين إلى حد كبير في عدد قليل من الاقتصادات الغربية المهيمنة. لقد جاء النمو الهائل لصناعة صناديق التقاعد وصعود الشركات العالمية لإدارة الأصول مثل بلاكروك وفانغارد بعد عقود عديدة من ذلك التاريخ، ولكن الآن، تتجاوز تقييمات محافظها الناتج المحلي الإجمالي لجميع الاقتصادات باستثناء أكبر اقتصادات العالم.

لا تزال مجالس إدارة مؤسسات بريتون وودز تتكون حصريًا من ممثلي الدول، مما يعكس الوضع المهيمن للدولة القومية في أربعينيات القرن الماضي سواء من الناحية الجيوسياسية أو ضمن النظام المالي الدولي. عادة ما يكون أعضاء مجالس الإدارة في البنك الدولي ومعظم بنوك التنمية الإقليمية دبلوماسيين، ولا يتم اختيارهم بالضرورة على أساس مؤهلاتهم في التمويل أو الاقتصاد، بل لقدرتهم على تمثيل موقف بلادهم. ومع ذلك، فإن وظائف مجالسهم تمتد لتشمل مهام تكون عادة في المؤسسات المالية الخاصة من المهام الحصرية لإدارة تلك المؤسسات، وفي حين أن مجالس إدارة الشركات تقدم التوجيه العام وتظل بعيدة عن الإدارة التنفيذية، تشارك مجالس إدارة بنوك التنمية متعددة الأطراف بشكل مباشر في قرارات الإقراض والاستثمار.

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription
PS_Sales_Winter_1333x1000 AI

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription

At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.

Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.

Subscribe Now

وتستند هذه الأنشطة على أهداف سياسة البلدان المساهمة واحتياجات البلدان العميلة، وعليه فإن عملية تخصيص رأس المال في بنوك التنمية متعددة الأطراف ليست مصممة بشكل أساسي لتعكس طلب المستثمرين الخارجيين أو مخاوف المستثمرين، وعلى الرغم من أن هذه المؤسسات لديها أذرع من القطاع الخاص تشارك في الاستثمار على نطاق واسع مع القطاع الخاص، فإن هذا يحدث عمومًا على مستوى الشركات الفردية، وفي المعاملات التي تكون صغيرة جدًا بالنسبة لكبار المستثمرين.

ومما يزيد الأمور تعقيدًا أن المستثمرين من المؤسسات وغيرها من كبار المستثمرين في القطاع الخاص يتحفظون بشكل كبير على التخلي عن السيطرة لمصلحة الكيانات العامة التي يخشون أن تتأثر بالنفوذ السياسي، والتي قد تكون مشاريعها غير تجارية أو تنطوي على مخاطرة كبيرة. تحتاج بنوك التنمية متعددة الأطراف من أجل جمع رأس المال الخاص على نطاق واسع إلى كسب ثقة صناديق التقاعد وغيرها من أصحاب الأصول الكبار الآخرين وذلك من أجل ان تتنافس مع مديري الأصول الخاصة على الحق في استثمار رأس المال هذا، وهذا يعني أن تنظر بنوك التنمية متعددة الأطراف إلى المستثمرين من القطاع الخاص على أنهم عملائها وشركاءها وأن تتصرف مثل المؤسسات المالية الخاصة وحتى مع استمرارها في العمل ضمن تفويض محدد بالسياسات ، علمًا أن الصندوق الوطني للاستثمار والبنية التحتية في الهند يعطينا سابقة لمثل هذا النهج.

علاوة على ذلك، يجب أن تتبنى بنوك التنمية متعددة الأطراف نهجًا ذا مسارين من أجل جمع رأس المال الخاص مع استراتيجيات أكثر تنوعًا للسياقات عالية المخاطر ومتوسطة المخاطر. لقد كانت الفكرة القائلة بإمكانية جذب مبالغ كبيرة من رأس المال الخاص إلى الأسواق الصغيرة عالية المخاطر مجرد حلم بعيد المنال.

سوف تظل تلك الأسواق من اختصاص رأس المال العام، وسيكون توسيع الميزانيات العمومية لبنوك التنمية أمرًا بالغ الأهمية، لكن يمكن لبنوك التنمية متعددة الأطراف جمع رأس مال خاص أكثر بكثير للعمل المناخي في البلدان ذات الدخل المتوسط حيث تكون الانبعاثات أعلى بكثير.

يجب أن تسعى بنوك التنمية متعددة الأطراف أيضًا إلى جمع رأس المال على مستوى المحفظة، وليس على مستوى المشروع، وينبغي أن تستثمر بشكل أكبر بكثير في الشركات التي تقدم الخدمات المرتبطة بالبنية التحتية. نظرًا لأن معظم المستثمرين من المؤسسات يديرون مبالغ كبيرة من رأس المال من خلال فرق استثمار صغيرة، فعادة لا تكون لديهم القدرة على الاستثمار بشكل مباشر في المشاريع الفردية مما يعني انهم بحاجة إلى أدوات أو صناديق لتوجيه استثماراتهم.

يعتبر الاستثمار في أسهم الشركات مهمًا لأن المستثمرين في تلك الأسهم عادةً ما يقومون بدور نشط في تطوير وهيكلة وترتيب مشاريع البنية التحتية الجديدة، في حين لا يشارك مقدمو الديون عمومًا إلا بعد التأكد من أن المشروع "قابل للتمويل"، وبينما زادت بنوك التنمية متعددة الأطراف من جهود التخفيف من حدة المخاطر، فإن هذا الأمر لا يعلب دورًا في الدفع بالمشروع الى الأمام خلال المراحل الأولى من تطويره، بل ان شراء الأسهم هو الذي يحقق ذلك.

في حين أنه من الممكن لبنوك التنمية المتعددة الأطراف بناء الهياكل المؤسسية اللازمة من اجل ان يكون هناك جمع فعال لرأس المال الخاص، فإن هناك جدل حول وجود اهتمام في مثل هذا النهج. يعد جمع رأس المال الخاص أمرًا ضروريًا، ولكن لدى بنوك التنمية متعددة الأطراف أيضًا أدوارًا مهمة أخرى تؤديها، وربما يتردد أصحاب المصلحة من الحكومات والمساهمين في تلك البنوك في إعادة توزيع السلطة فيما يتعلق بمساهمين جدد من القطاع الخاص.

قد يكون الحل الأفضل هو إنشاء مرفق عالمي لتمويل المناخ، أو عدة مرافق إقليمية مصممة خصيصًا لجمع رأس المال من المؤسسات المستثمرة. سوف تمثل بنوك التنمية متعددة الأطراف الأقلية بين المستثمرين بينما يمثل المستثمرون من القطاع الخاص غالبية المساهمين.

لكن ستظل بنوك التنمية متعددة الأطراف تلعب دورًا رئيسيًا في مساعدة المستثمرين من القطاع الخاص على تقييم المخاطر في القطاعات والمناطق التي يفتقرون فيها إلى الخبرة، ومن خلال توفير الدعم الفني القائم على خبرة بنوك التنمية متعددة الأطراف التي تشمل مجموعة واسعة من المجالات. علاوة على ذلك، يمكن لبنوك التنمية متعددة الأطراف أن تشارك في المخاطر التي يتعرض لها مستثمرو القطاع الخاص وان تعمل على تخفيفها وذلك من خلال قبول مراكز عالية المخاطر في هيكل رأس مال المرفق العالمي لتمويل المناخ، أو على مستوى المشاريع المستثمرة في المرفق العالمي لتمويل المناخ.

إن الخيار الأفضل هو انشاء المرفق العالمي لتمويل المناخ بموجب تشريع قياسي للقطاع المالي وذلك في مركز مالي عالمي يقدم حماية للمستثمرين تشبه الحماية التي يتمتع بها عادة المستثمرون من القطاع الخاص، ومن أجل حماية التصنيف الائتماني لبنوك التنمية متعددة الأطراف " AAA" ووضع الدائن المفضل، ستكون ميزانية المرفق العالمي لتمويل المناخ محصنة من النشاطات الأخرى.

يتعين على زعماء العالم الذين حضروا قمة باريس أن لا يكتفوا فقط بتعديل الترتيبات الحالية، بل يجب أن يتبنوا إصلاحات شاملة تكفي لإحداث فرق على نطاق واسع. لم يترك لنا تغير المناخ أي وقت للمزيد من التدرج الفاشل.

https://prosyn.org/f671Utbar