essop1_JOHN MACDOUGALLAFP via Getty Images_fossil fuel cropped JOHN MACDOUGALLAFP via Getty Images

الحجة لصالح معاهدة عدم انتشار الوقود الأحفوري

كيب تاون/برلين ــ حطم صيف ٢٠٢١ الشمالي كل الأرقام القياسية في الكوارث الطبيعية، وضمت القائمة العالمية الطويلة والمتنامية فيضانات في الصين وغرب أوروبا، وموجات حارة وجفاف في أمريكا الشمالية، وجفاف شديد في أفريقيا، وحرائق الغابات في المناطق الواقعة جنوب القطب الشمالي مباشرة، وجنوب أوروبا.

هذه بداية الفوضى المناخية، وهي تبعث رسالة صارمة: لم يعد باستطاعتنا الاعتماد على الأنماط التاريخية للتنبؤ بمستقبل الكوارث الطبيعية. والجدير بالذكر، أن أحدث تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ يعزو أحوال الطقس البالغة القسوة بوضوح إلى تأثير البشر على المناخ، مشيرًا إلى أن الوقود الأحفوري تسبب في ٨٦٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خلال القرن الماضي.

على مر العقود، تربحت قلة من الشركات الخاصة المملوكة للدولة والفاحشة الثراء والنفوذ من بيع هذا الوقود مع خداع العامة والتأثير على الحكومات لإحباط التدابير السياسية للتصدي لتغير المناخ. الواقع أن الاستراتيجيات التي تبنتها شركات النفط الكبرى للحفاظ على استدامة نماذج أعمالها لأطول فترة ممكنة موثقة بشكل جيد. وقد حازت إعلانات الفيس بوك التي تروج لممارساتها "الملائمة للمناخ" و" الغاز الأخضر" ٤٣١ مليون مشاهدة في عام ٢٠٢١ وحده.

مثل هذا الخداع من قبل الشركات يفرض مشكلة معقدة على بلدان الجنوب بشكل خاص، والتي تسعى جاهدة لتحسين أمنها الاقتصادي وتخاطر بحصر نفسها في بنية أساسية قذرة ستصبح عديمة الفائدة. في الحقيقة، تتمتع كل منطقة بإمكانات عالية في مجال الطاقة المتجددة، لكنها تحتاج إلى التعاون والدعم الدوليين، وخاصة التمويل من دول الشمال، لتحقيق هذه الإمكانات.

إن غياب آلية دولية للتعامل بشكل مباشر مع الوقود الأحفوري يعني استمرار الصناعة في التوسع بشكل كبير، حتى بعد توقيع اتفاقية باريس للمناخ لعام ٢٠١٥. وفقًا لتقرير فجوة الإنتاج الصادر عن الأمم المتحدة، فإن إنتاج الوقود الأحفوري المخطط له في عام ٢٠٣٠ يتخطى حاليا المستوى المسموح به في ظل ميزانية كربونية تتفق مع هدف الحد من ارتفاع درجات الحرارة بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية بنحو 120%.

يهدد تنفيذ هذه الخطط بإطلاق العنان لتغير مناخي جامح، ولكن يبدو أن مؤيديها لا يخشون عقابا، مما يُظهر بوضوح أن القادة السياسيين قد غضوا الطرف عن هذا المحرك الأكثر وضوحًا لفوضى المناخ. حتى من يطلق عليهم مسمى أبطال المناخ مثل كندا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، والنرويج يمررون مشاريع جديدة للوقود الأحفوري بينما يدقون ناقوس الخطر المناخي بالتوافق مع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

في حين أن التركيز على تقليل الانبعاثات ربما كان نهجًا معقولًا في أوائل تسعينيات القرن الماضي، فمن الواضح أنه ليس كافيًا اليوم. نحتاج أيضًا إلى آلية تكميلية موجهة صراحة نحو تقييد إمدادات الوقود الأحفوري.

يمكن للمبادرات الناشئة مثل تحالف ما بعد النفط والغاز أن تخدم كمنتديات لوضع معيار جديد للقيادة المناخية ولخلق مساحة سياسية لتطوير النقاشات بين المبادرين الأوائل والدول الأكثر عرضة لعوامل تغير المناخ. ولكن مع تنامي الزخم السياسي، لابد من إيجاد طريق لتأسيس آلية قانونية دولية. وتعد معاهدة عدم انتشار الوقود الأحفوري إحدى الآليات التي تكتسب دعمًا عالميًا وقادرة على وضعنا على المسار الصحيح نحو مناخ صالح للعيش.

تضاهي مثل هذه المعاهدة اتفاقيات دولية قائمة تهدف إلى الحد من تهديد الأسلحة النووية والألغام ونضوب الأوزون ومخاطر أمنية أخرى. وسوف تستند المعاهدة إلى ثلاث من ركائز معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.

أحرز العالم تقدمًا كبيرًا في الأشهر القليلة الأخيرة فيما يخص الركيزة الأولى للمعاهدة المستقبلية، وهي الحد من الانتشار. صرحت الوكالة الدولية للطاقة أن أي إنتاج جديد للوقود الأحفوري سيتعارض مع أهداف اتفاقية باريس، واتفق أعضاء مجموعة السبع على وقف تمويل مشاريع الفحم الجديدة، وحظرت العديد من الولايات القضائية جميع تصاريح الوقود الأحفوري الجديدة.

الركيزة الثانية هي التخلص التدريجي الملائم. يجتمع علماء المناخ على حاجتنا إلى تقليص مخزون وإنتاج الوقود الأحفوري الحالي. حتى بدون أي مشاريع جديدة للفحم أو الزيت أو الغاز، سيُنتج العالم بحلول عام ٢٠٣٠ نحو ٣٥٪ أكثر من النفط و٦٩٪ أكثر من الفحم من المستوى المتوافق مع مسار الدرجة ونصف الدرجة المئوية.

ثالثًا، ينبغي لمعاهدة جديدة أن تساعد على تمكين الانتقال العادل بعيدا عن الوقود الأحفوري من خلال عملية تعاون دولي يكون الإنصاف في جوهرها، فتقود الاقتصاديات الغنية المنتجة للوقود الأحفوري الطريق وتتقاسم منافع وأعباء الانتقال مع البلدان الفقيرة والعمال والمجتمعات المتضررة. يجب أن يشمل هذا توفير الموارد المالية لتمكين صانعي السياسات من تنفيذ السياسات المناخية والمحافظة على استدامتها.

انضمت مئات المنظمات التي تمثل آلاف الأفراد إلى الدعوة لمعاهدة عدم انتشار الوقود الأحفوري. في وقت سابق من هذا العام، دعا الدالاي لاما ومئة أخرون من الحائزين على جائزة نوبل لإنهاء التوسع في الوقود الأحفوري، بينما أعرب أكثر من 2000 أكاديمي وعالم عن دعمهم في خطاب مفتوح.

سيتعين علينا أن نعيش في عالم تصبح فيه الأحداث المناخية المتطرفة أكثر حدة وتكرارًا، ولكن القاعدة الأولى للخروج من أي حفرة هي التوقف عن الحفر، ويتطلب ذلك عدم الخضوع لسلطة وتأثير جماعات الضغط المدافعة عن الوقود الأحفوري وحلفائها السياسيين.

أصبح الآن إيجاد حل قابل للتطبيق لإدارة انحسار صناعات الوقود الأحفوري أكثر حرجًا من أي وقت مضى. وتقدم معاهدة عدم انتشار الوقود الأحفوري رؤية ومسارا للهيئة التي يمكن أن تبدو عليها قيادة العمل المناخي الدولي الحقيقي وجهود التعاون الدولي الصادقة في هذا الصدد.

ترجمة: هند علي            Translated by: Hend Ali

https://prosyn.org/L66Fgyfar