aa70610446f86f380e6d9728_jk294.jpg

حدود الملاذ الأخير

أكسفورد ـ في العقد المقبل، سوف يشكل استخراج النفط والغاز والمعادن الخام الفرصة الاقتصادية الأعظم أهمية في تاريخ أفريقيا. كانت أفريقيا آخر حدود اكتشاف الموارد، بسبب الإهمال النسبي الذي طال أمده من جانب شركات التعدين وغيرها من شركات استخراج الموارد الطبيعية، نتيجة للظروف السياسية الصعبة. ولكن أسعار السلع الأساسية المرتفعة بدأت تتغلب على التردد، وبدأت عمليات التنقيب في توليد عدد كبير من الاكتشافات الجديدة.

ولأن عمليات استخراج الموارد عن كل كيلومتر مربع في أفريقيا لا يتجاوز 20% من المتوسط في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فمن المتوقع أن تنمو عمليات الاستخراج بسهولة إلى خمسة أمثالها. ولا شك أن الأسعار المرتفعة والاكتشافات في المستقبل سوف تعمل على توليد تدفقات هائلة من المال، والتي إذا أديرت على النحو اللائق فقد تحول الأجزاء الفقيرة من أفريقيا إلى مناطق مزدهرة. ومن المؤكد أن الدخل الناجم عن استخراج الموارد سوف يتفوق على كافة أشكال التدفقات المالية الأخرى هناك.

ولكن الأموال التي كان ينبغي لها أن تمول الاستثمار الإنتاجي في أفريقيا كثيراً ما كانت تنهب أو تبدد طيلة تاريخها. والتحدي الآن يتمثل في منع تاريخ القارة المحزن في مجال الاستكشاف من تكرار نفسه أثناء الحقبة المقبلة من استخراج الموارد بكميات هالة.

إن تسخير هذه الموارد الطبيعية لأغراض التنمية، أو نهبها، يتوقف على عِدة عوامل. والمهمة الأولى في هذا الصدد تتلخص في تزويد المجتمع ككل القدر الكافي من قيمة الموارد المستخرجة. وهذا بدوره يتطلب اتخاذ التدابير المناسبة استناداً إلى المنافسة الشفافة فيما يتصل بالمبيعات الأولية لحقوق التنقيب، فضلاً عن تقديم نظام ضريبي جيدة التصميم لجمع العائدات من أرباح الشركات.

كانت بعض المبيعات الأخيرة لحقوق التنقيب في أفريقيا تفتقر بشكل مذهل إلى الشفافية والمنافسة. ففي غينيا على سبيل المثال، بيعت على جناح السرعة، وبعدة مليارات من اليورو، حقوق التنقيب التي يبدو أنها منحت من دون أن تعود بفوائد ملموسة على الخزانة العامة.

وثانيا، لابد من استثمار حصة كبيرة من العائدات في الأصول بدلاً من استخدامها لتعزيز الاستهلاك. وإلا فإن الأمر برمته سوف يشكل تعدياً على حقوق أجيال المستقبل، الذين تنتمي إليهم أيضاً الأصول الطبيعية لبلدانهم.

PS_Sales_BacktoSchool_1333x1000_Promo

Don’t go back to school without Project Syndicate! For a limited time, we’re offering PS Digital subscriptions for just $50.

Access every new PS commentary, our suite of subscriber-exclusive content, and the full PS archive.

Subscribe Now

ولكن من المؤسف أن هذه الحقوق كثيراً ما تنتهك. فقد استنفدت الكاميرون على سبيل المثال الكثير من نفطها، وذلك باستخدام أغلب العائدات في الاستهلاك. ونتيجة لهذا فإن المستوى الحالي من الاستهلاك سوف يصبح غير قابل للاستدامة عندما ينضب النفط.

وأخيرا، لابد وأن تكون العائدات مفتوحة للرقابة العامة، ولابد وأن يكون استخدامها على النحو اللائق، سواء فيما يتصل بالاستثمار أو الاستهلاك، مضموناً بآليات مؤسسية تفصل سبلاً واضحة لمساءلة الموظفين العموميين.

ولكن شفافية العائدات والنفقات وحدها لا تكفي لضمان الاستخدام الجيد للموارد الطبيعية. ولابد من تصويب القرارات العديدة اللازمة لضمان النجاح، ليس مرة واحدة بل على نحو متكرر، ورغم ذلك ففي غياب الشفافية فإن مخاطر الفساد وسوء التوزيع تصبح أعلى بشكل واضح.

والشفافية من شأنها أيضاً أن تعزز الثقة بين الشركات والمجتمعات المحلية. فحتى الآن، كانت المجتمعات القريبة من عمليات الاستخراج معادلة للعملية، حيث اعتبرت نفسها ضحية للضرر البيئي، في حين ترى أن النخبة المحلية والشركات الأجنبية هي المستفيد الأول من عائدات الموارد الطبيعية.

والواقع أن هذه العداوة تمثل مشكلة ضخمة بالنسبة للتشغيل المحلي لصناعات الاستخراج وتجعلها باهظة التكاليف: وتشهد على ذلك تجربة شركة شل الهولندية الملكية في دلتا النيجر، حيث كانت الهجمات على المنشآت هناك كثيراً ما تتصاعد إلى النقطة التي تتضاءل معها الإمدادات الإجمالية إلى حد كبير وتصبح أقل أمنا. لذا ففي غياب الشفافية فيما يتصل بالعائدات واستخدامها في مجالات مفيدة، تتحول شركات استخراج الموارد حتماً إلى أهداف للشكوك المحلية.

إن الشركات الأجنبية تدير كل عمليات استخراج الموارد تقريباً في أفريقيا، وذلك لأنها وحدها تمتلك المهارات الفنية اللازمة. وهذا يعني ضمناً اضطلاع السلطان القضائي الذي تعمل هذه الشركات في ظله بدور بالغ الأهمية، وذلك لأنه يتمتع بالسلطة اللازمة لإرساء القواعد التي تحكم عمل صناعات الاستخراج. والواقع أن العديد من هذه الشركات تتخذ من أوروبا مقراً لها، وهذا يعني أن قدراً كبيراً من السلطة يقع في نهاية المطاف في نطاق البرلمان الأوروبي.

وبوسع القواعد الأوروبية والأميركية أن تلزم العديد من شركات استخراج الموارد بالشفافية، ولكن يظل هناك عدد كبير من الشركات التي تقع ضمن سلطان مناطق أخرى. ففي إطار دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يقع المركز المالي الرئيسي لشركات استخراج الموارد الأصغر حجماً في تورنتو، ورغم ذلك فقد فشل البرلمان الكندي مؤخراً بفارق ضئيل في تمرير شرط معادل لهذه الشركات. وهناك أيضاً 360 شركة استرالية تعمل في مجال استخراج الموارد ـ وتعمل حالياً في أفريقيا.

وفي كل الأحوال، فإن اللاعبين الرئيسيين الجدد في مجال استخراج الموارد لا يتخذون من بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مقراً لهم. فعلى مستوى العالم تُعَد شركة فالي، ومقرها البرازيل، ثاني أضخم شركة في هذا المجال، أما الصين فقد أصبحت الآن صاحبة أضخم تواجد في أفريقيا، ولو أن الصين تعمل بالفعل وفقاً لبعض التشريعات الخاصة بشفافية العائدات، وذلك نظراً لمتطلبات الإفصاح التي تفرضها السوق المالية في هونج كونج.

إن الأمر المطلوب الآن يتلخص في فرض معايير الشفافية عالميا. وتشكل مجموعة العشرين التي من المقرر أن تستضيف فرنسا اجتماعها المقبل وتترأسه، المنتدى المناسب لمثل هذا العمل الحكومي الجماعي.

إن الإشراف العالمي على استخراج الموارد يشكل قضية مثالية تامة في مجال التنمية الاقتصادية بالنسبة لمجموعة العشرين، وذلك لأن التعهدات المسرحية التي بُذِلَت في إطار اجتماعات مجموعة الدول الثماني الكبرى بتقديم المساعدات للبلدان الفقيرة تبين أنها مجرد خطابة فارغة. وإذا كانت مجموعة العشرين راغبة في الاضطلاع بدور فعّال باعتبارها أداة للتنمية، فيتعين عليها أن تبدأ في التعامل على النحو اللائق مع التدفقات المالية الأكثر أهمية على الإطلاق، والتي سوف تجتذبها أفريقيا وغيرها من المناطق ذات الدخل المنخفض في العقد الجديد.

https://prosyn.org/sIdNq0Par