roach116_ANTHONY WALLACEAFP via Getty Images_liwenliangcoronaviruschina Anthony Wallace/AFP via Getty Images

خُـرافة الـمُـبْـلِـغ الصيني

نيوهيفن/هونج كونج ــ من الواضح أن الرأي العام في الولايات المتحدة يلقي باللائمة عن انتشار جائحة فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19 COVID-19) بالكامل على الصين. فهناك بدأ الفيروس على أية حال. وقد دأب الرئيس دونالد ترمب ووزير الخارجية مايك بومبيو على تأجيج النيران باتهام الصين بالتستر على الفاشية والسماح عن عِـلم بانتشار فيروس كورونا المستجد. لكن دليلهما الدامغ المفترض، المتمثل في المصير المأساوي الذي لاقاه كاشف الفساد البطولي لي وِن ليانج، ليس سوى محض هراء.

تزعم الخرافة أن الطبيب لي أُسـكِـت وعوقب من قِـبَـل المسؤولين الصينيين لأنه حَـذَّر في الثلاثين من ديسمبر/كانون الأول من عام 2019 من فيروس جديد ظهر في مستشفى ووهان حيث كان يعمل. وعندما تبين أنه اكتشف أمرا خطيرا ــ خطيرا للغاية في الحقيقة حتى أنه قتله في نهاية المطاف ــ غيرت الحكومة الصينية لهجتها واحتفلت بشجاعة لي. وكما تزعم هذه الحجة، فلو حدث ذلك في وقت أقرب فإن العالم كان ليتجنب هذه الجائحة المرعبة.

لكن هذا ليس ما حدث. كان لي شابا شجاعا. لكن أفعاله لم تكن غير عادية نسبيا. الواقع أن الدور الذي لعبه جرى تشويهه دون أي اعتبار للحقيقة.

لم يكن لي أول طبيب صيني يبلغ عن ظهور الفيروس الجديد، بل كانت الطبيبة التي تبلغ من العمر 54 عاما، تشانج جي شيان، مديرة قسم الجهاز التنفسي وقسم العناية المركزة في مستشفى خوبي الإقليمي للطب الصيني التقليدي والغربي المتكامل، والذي يقع أيضا في ووهان. في السابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول، وقبل ثلاثة أيام من تحركات لي، قامت تشانج بتشخيص أسرة مكونة من ثلاثة أشخاص يعانون من التهاب رئوي فيروسي من نوع غير معروف، فسارعت على الفور إلى رفع تقرير إلى المستشفى حيث تعمل، والذي اتصل بدوره بلجنة الصحة في ووهان في التاسع والعشرين من ديسمبر.

خلافا للرواية الغربية، كانت الاستجابة الأولية من قِـبَـل السلطات المحلية سريعة وفورية، وإن لم تكن بلا أخطاء. الحقائق والتواريخ تشكل أهمية كبرى هنا. بعد يوم واحد، في الثلاثين من ديسمبر، أرسلت لجنة الصحة في ووهان تحذيرا عاجلا إلى كل المؤسسات الطبية الخاضعة لولايتها بشأن فاشية لالتهاب رئوي جديد غامض.

في غضون ساعات، أرسلت الحكومة المركزية فريق عمل من الخبراء من لجنة الصحة الوطنية لإجراء تحقيقات في الموقع وتنظيم استجابة محتملة لوباء. وصل الفريق في وقت مبكر من صباح اليوم التالي، الحادي والثلاثين من ديسمبر/كانون الأول، وبحلول الساعة الواحدة ظهرا من ذلك اليوم، أصدرت لجنة الصحة في ووهان إعلانا عاما حول 27 حالة إصابة بالتهاب رئوي مجهول المصدر. وأضاف التحذير أنه "حتى الآن لم تُـكـتَـشَـف حالات واضحة لانتقال العدوى من البشر إلى البشر أو إصابة العاملين الطبيين بالعدوى" ــ وهو خطأ سيطارد الصين.

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription
PS_Sales_Winter_1333x1000 AI

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription

At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.

Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.

Subscribe Now

بعد اتخاذ البروتوكولات المعتادة في التعامل مع الأمراض المعدية، أُبـلِـغَـت منظمة الصحة العالمية على الفور في الحادي والثلاثين من ديسمبر. وتُـقِـر وحدة أخبار الفاشيات الـمَـرَضية في منظمة الصحة العالمية بتلقي تقرير في ذلك اليوم "... حول حالات التهاب رئوي راجعة إلى مسببات مجهولة للمرض (سبب غير معلوم) جرى اكتشافها في مدينة ووهان". بعبارة أخرى، أطلقت منظمة الصحة العالمية تحذيرا عالميا بعد مرور يومين فقط على التقرير الأولي الذي رفعه المستشفى الذي تعمل به تشانج.

الواقع أن لي، طبيب العيون، لم يكن مدربا على تشخيص أمراض الجهاز التنفسي المعقدة. وربما شاهد هو وعدد من الأطباء الآخرين إخطار الثلاثين من ديسمبر العاجل من لجنة الصحة في ووهان. وانطلاقا من تخوفات مفهومة، قاموا بإرسال رسائل فورية إلى أصدقاء قبل الساعة السادسة من مساء ذلك اليوم بقليل، محذرين إياهم من فاشية محتملة.

انتشرت الرسالة بسرعة هائلة. ثم جاءت الشرطة المحلية، بعد أن تتبعت تحذير لي عبر أنظمة مراقبة الإنترنت السيئة السمعة في الصين. صحيح أن الشرطة قامت بتوبيخ لي في الأول من يناير/كانون الثاني لنشره شائعة، وحملته على التوقيع على "ورقة إنذار إداري" في الثالث من يناير. لكن هذا ليس بالأمر المزعج كما قد يبدو. فعند تلك النقطة لم يكن أحد، بما في ذلك تشانج ولي، يعلم أي شيء عن الطبيعة الحقيقية للمرض. وكذا كانت حال شرطة ووهان، التي انزعجت بشكل مفهوم إزاء رسائل بدت مثيرة للخوف والذعر. لكن لي لم يُـعـتَـقَـل ولم يُـعاقَـب بتهمة الترويج لشائعات. من المؤسف أن لي توفي بعد إصابته بفيروس كورونا في السادس من فبراير/شباط، في ذات اليوم الذي شهد تكريم تشانج رسميا باعتبارها مُـبْـلِغة عن خطر حقيقي.

أين إذن الدليل الدامغ؟ بعد أن فحصت تشانج الأسرة المنكوبة بحثا عن فيروسات معروفة، كل ما عرفته هو أن هذا المرض مختلف فدقت ناقوس الخطر، وهو ما كان كافيا لتحفيز استجابة سريعة من قِبَل المسؤولين على المستويين المحلي والوطني.

كان الخطأ المبكر الأكبر ــ الفشل في النظر في احتمال انتقال العدوى من البشر إلى البشر ــ ليس أكثر من خطأ في التقدير والحكم، والذي ربما يعكس قِلة الإبلاغ عن الحالات. ومن المؤسف أن الولايات المتحدة غفلت عن هذا الدرس، التي لا تزال تعاني من نقص صارخ في الاختبارات وما يرتبط بذلك من نقص في إحصاء حالات الإصابة بالعدوى.

هنا على وجه التحديد تنهار نظرية المؤامرة التي تروج لها إدارة ترمب. إن مرض فيروس كورونا 2019 يحدثه فيروس تاجي مستجد ــ لم يحدث من قَـبل قَـط. كان المسؤولون الصينيون المحليون مرتبكين بقدر ارتباك أي شخص عند العلامات الأولى لمثل هذه الفاشية. وقد ظلوا على ارتباكهم لبعض الوقت، وإلا فما الذي جعلهم يسمحون بإقامة حفلات الشوارع والسفر لقضاء العطلات خارج ووهان قبيل الاحتفالات برأس السنة القمرية الصينية؟ عندما أدرك مسؤولو الصحة الوطنية في الصين طبيعة الفيروس الشديدة العدوى، أُغـلِـقَـت مدينة ووهان وعُـزِلَت تماما، في الثالث والعشرين من يناير/كانون الثاني 2020. علاوة على ذلك، وخلافا لرواية التستر التي تروج لها إدارة ترمب، لم تتعمد الصين الإبقاء على المسؤولين الأميركيين في الظلام. فقد أرسل مدير مركز الصين لمكافحة الأمراض والوقاية منها تقريرا موجزا إلى نظيره الأميركي في الثالث من يناير/كانون الثاني ــ في غضون أسبوع واحد من صدور تقرير تشانج الأولي.

ورغم أن الاتصال الأولي بين مركزي مكافحة الأمراض قوطِع بسبب عطلة رأس السنة الجديدة، فإن التنسيق بين مسؤولي الصحة العامة في البلدين كان أوثق كثيرا ــ وكما تثبت وثائق منظمة الصحة العالمية بشأن تفشي المرض، فإن الفواصل الزمنية كانت قصيرة إلى حد كبير ــ أقصر كثيرا مما يُـعـتَـقَـد على نطاق واسع في الغرب.

الواقع أن التباين مع استجابة أميركا كان لافتا للنظر إلى حد صارخ. ففي حين لم تتجاوز المدة بين تقرير تشانج الأولي وإغلاق ووهان في الثالث والعشرين من يناير/كانون الثاني 27 يوما، استغرقت الولايات المتحدة ضعف المدة (54 يوما) للتحرك من أول تشخيص رسمي بالإصابة بفيروس كورونا المستجد (في العشرين من يناير) إلى إعلان ترمب الطوارئ الوطنية (في الثالث عشر من مارس/آذار).

تلعب وفاة لي دورا محوريا في نظريات المؤامرة التي تحرك خطاب حزب الترمب الجمهوري المناهض للصين. الواقع أن "كتاب كورونا الكبير"، أو وثيقة استراتيجية حملة الحزب الجمهوري لعام 2020 المسربة، والتي تتألف من 57 صفحة، عامرة بروايات مشوهة حول ترهيب الطبيب لي المزعوم. لكنه ويا للعجب لم يأت على ذِكـر تشانج على الإطلاق.

على ذات القدر من أهمية استراتيجية الحزب الجمهوري، كان إطلاق اتهام مفاده أن فيروس كورونا المستجد أُنـتِـج في أحد مختبرات معهد ووهان لعلوم الفيروسات. وعلى الرغم من رفض مثل هذه الادعاءات من قِـبَـل مصادر استخباراتية أميركية وغير ذلك من مصادر الاستخبارات الغربية، فضلا عن علماء بارزين، وأنتوني فوسي خبير أميركا الأول في الأمراض المعدية، تستمر ادعاءات الحزب الجمهورية الكاذبة.

سواء كان المختبر في ووهان أو استشهاد لي المزعوم، فإن العواقب تظل هي ذاتها: كلما احتدم صراع الولايات المتحدة في التصدي لويلات كوفيد-19، كلما زاد ترمب وأنصاره المخلصون من جرعة لوم الصين. ففي ظل استراتيجية سياسية تغلب عليها نظريات المؤامرة، لا تشكل الحقائق أهمية كبيرة.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/j5ADt1Tar