كمبريدج — بدأ الأمر يبدو كما لو أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيستسلم للصينيين في الصراع التجاري الذي تخوضه أميركا مع الصين. فقد هددت الولايات المتحدة بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات من الصين من 10% إلى 25% في الثاني من مارس/آذار إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق. لكن ترمب قال مؤخرا إن الموعد مرن وربما يمكن تأجيله بسبب التقدم الذي تحقق في المحادثات الثنائية الجارية.
قد يكون هذا عادلا، لكن التقدم الذي ربما يلمسه المراقبون ليس حقيقيا. ذلك أن المشكلة الأكثر أهمية والتي تحتاج إلى الحل ليست العجز التجاري الثنائي الأميركي الهائل مع الصين، بل تتمثل المشكلة في سرقة الصينيين لتكنولوجيا الشركات الأميركية واستخدامها لمساعدة الشركات الصينية على منافسة نفس الشركات في الصين وحول العالَم.
يقوم الصينيون بهذا بطريقتين. فأولا، الشركات الأميركية الراغبة في مزاولة أعمال في الصين مطالبة بالعمل مع شريك صيني وتقاسم التكنولوجيا مع ذلك الشريك. وهذا التقاسم الإلزامي للتكنولوجيا محظور صراحة بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية. منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، تجاهلت الصين هذه القاعدة وهي تزعم على غير الحقيقة أن الشركات الأميركية توافق طواعية على تقاسم تكنولوجياتها لأنها راغبة في العمل في الصين.
ثانيا، يستخدم الصينيون الإنترنت للدخول إلى أنظمة الكمبيوتر في الشركات الأميركية وسرقة التكنولوجيا والمخططات الأساسية. في عام 2015، اتفق الرئيس الصيني شي جين بينج والرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما على أن حكومته ستتوقف عن القيام بذلك. ولكن بعد تراجع مؤقت، استؤنفت هذه السرقات السيبرانية، ربما لأن الشركات المملوكة للدولة وغيرها لديها القدرة على الوصول إلى أنظمة الكمبيوتر في الشركات الأميركية.
على الرغم من حديث ترمب المتفائل عن تقدم المحادثات، فلا يوجد ما يقترح أن الصينيين قد يوافقون على التوقف عن سرقة التكنولوجيا. بل شدد كبير المفاوضين عن الصين، نائب رئيس مجلس الدولة الصيني ليو هي، على أن الصينيين يعتزمون تقليل فائضهم التجاري الثنائي الضخم من خلال شراء فول الصويا والغاز الطبيعي من الولايات المتحدة. والواقع أن الانحدار الحاد في العجز التجاري الأميركي مع الصين من شأنه أن يمكن ترمب من ادعاء النصر وأن يعطيه شيئا يحتفل به عندما يزوره شي جين بينج في بيته في فلوريدا في وقت ما خلال الأشهر القليلة المقبلة.
الواقع أن أي خفض كبير للعجز التجاري الأميركي مع الصين ينطوي على اكتساب حق التباهي بسهولة، فهو العجز الذي ظل سنة بعد الأخرى العجز التجاري الثنائي الأكبر في أميركا. في عام 2017، كان العجز مع الصين 375 مليار دولار، أو ثلثي العجز التجاري الأميركي. وعلى هذا فمن الذكاء أن يعرض الصينيون شراء القدر الكافي من السلع الأميركية لخفض هذا الاختلال الواضح.
Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.
Subscribe Now
ولكن في حين أن هذا من شأنه أن يقلل العجز التجاري الثنائي مع الصين، فإنه لن يخلف في حد ذاته أي تأثير على إجمالي العجز التجاري الأميركي. وكما يعلم أي دارس لعلوم الاقتصاد، فإن العجز التجاري يعكس حقيقة اختيار الدولة التي تعاني من العجز أن تستهلك أكثر مما تنتج. وما دام أي بلد يستهلك أكثر مما ينتج، فإنه يضطر إلى استيراد الفارق من بقية العالَم.
إذا كان الصينيون يشترون ما يكفي لخفض العجز الثنائي، فسوف تنتهي الحال بالولايات المتحدة إلى استيراد المزيد من دول أخرى أو خفض صادراتها إلى دول أخرى. ولن ينخفض إجمالي العجز التجاري الأميركي ما لم تقلل الولايات المتحدة إجمالي الطلب من خلال زيادة الادخار. وهو أمر يقرره صناع السياسات في الولايات المتحدة؛ وليست مهمة يمكن أن يقوم بها الصينيون نيابة عن أميركا.
أَكَّد وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين على عرض صيني آخر لا قيمة له إلى حد كبير في هذا الصدد: فقد وعد بمنع قيمة الرنمينبي من الانحدار في مقابل الدولار. ورغم أن الرنمينبي الأقوى من شأنه أن يجعل السلع الصينية أقل جاذبية في نظر المشترين الأميركيين، فيقلل بالتالي من العجز الثنائي، فإنه لن يقلل من اختلال التوازن التجاري بين أميركا والعالَم.
فضلا على ذلك، ورغم أن سعر صرفي الرنمينبي في مقابل الدولار يتفاوت من عام إلى آخر، فإن الاختلافات كانت صغيرة. فاليوم يشتري الدولار الواحد 6.7 رنمينبي صيني؛ وقبل عام واحد كان سعر صرف الدولار 6.3 رنمينبي، وقبل عامين كان 6.9 رنمينبي. وقبل عشر سنوات، في فبراير/شباط 2009، كان الدولار يشتري 6.8 رنمينبي. باختصار، لا يوجد ما يستحق الاحتفال إذا وافق الصينيون على تثبيت قيمة عملتهم في مقابل الدولار.
القضية الرئيسية هنا تكمن في سرقة التكنولوجيا. وما لم يوافق الصينيون على التوقف عن سرقة التكنولوجيا، وما لم يعكف الجانبان على ابتكار طريقة لإنفاذ هذا الاتفاق، فلن تحقق الولايات المتحدة من تعريفات ترمب أي شيء مفيد.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
The European Union’s cumbersome and narrowly defined regulations for public procurement and spending are not simply inadequate; they are dangerous. They weaken the bloc’s ability to protect itself from a broad range of Russian hybrid attacks while prolonging Russia’s aggression in Ukraine.
propose a European Defense Production Act to help fast-track processes for public procurement and spending.
The intricate legal issues and colorful characters in Donald Trump's criminal trials will undoubtedly keep the media and the viewing public enraptured for months to come. But when it comes to the 2024 election, all that really matters is how the defendant appears to a narrow sliver of undecided voters.
points out that optics, more than the law or the facts, will be what matters most for the election.
كمبريدج — بدأ الأمر يبدو كما لو أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيستسلم للصينيين في الصراع التجاري الذي تخوضه أميركا مع الصين. فقد هددت الولايات المتحدة بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات من الصين من 10% إلى 25% في الثاني من مارس/آذار إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق. لكن ترمب قال مؤخرا إن الموعد مرن وربما يمكن تأجيله بسبب التقدم الذي تحقق في المحادثات الثنائية الجارية.
قد يكون هذا عادلا، لكن التقدم الذي ربما يلمسه المراقبون ليس حقيقيا. ذلك أن المشكلة الأكثر أهمية والتي تحتاج إلى الحل ليست العجز التجاري الثنائي الأميركي الهائل مع الصين، بل تتمثل المشكلة في سرقة الصينيين لتكنولوجيا الشركات الأميركية واستخدامها لمساعدة الشركات الصينية على منافسة نفس الشركات في الصين وحول العالَم.
يقوم الصينيون بهذا بطريقتين. فأولا، الشركات الأميركية الراغبة في مزاولة أعمال في الصين مطالبة بالعمل مع شريك صيني وتقاسم التكنولوجيا مع ذلك الشريك. وهذا التقاسم الإلزامي للتكنولوجيا محظور صراحة بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية. منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، تجاهلت الصين هذه القاعدة وهي تزعم على غير الحقيقة أن الشركات الأميركية توافق طواعية على تقاسم تكنولوجياتها لأنها راغبة في العمل في الصين.
ثانيا، يستخدم الصينيون الإنترنت للدخول إلى أنظمة الكمبيوتر في الشركات الأميركية وسرقة التكنولوجيا والمخططات الأساسية. في عام 2015، اتفق الرئيس الصيني شي جين بينج والرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما على أن حكومته ستتوقف عن القيام بذلك. ولكن بعد تراجع مؤقت، استؤنفت هذه السرقات السيبرانية، ربما لأن الشركات المملوكة للدولة وغيرها لديها القدرة على الوصول إلى أنظمة الكمبيوتر في الشركات الأميركية.
على الرغم من حديث ترمب المتفائل عن تقدم المحادثات، فلا يوجد ما يقترح أن الصينيين قد يوافقون على التوقف عن سرقة التكنولوجيا. بل شدد كبير المفاوضين عن الصين، نائب رئيس مجلس الدولة الصيني ليو هي، على أن الصينيين يعتزمون تقليل فائضهم التجاري الثنائي الضخم من خلال شراء فول الصويا والغاز الطبيعي من الولايات المتحدة. والواقع أن الانحدار الحاد في العجز التجاري الأميركي مع الصين من شأنه أن يمكن ترمب من ادعاء النصر وأن يعطيه شيئا يحتفل به عندما يزوره شي جين بينج في بيته في فلوريدا في وقت ما خلال الأشهر القليلة المقبلة.
الواقع أن أي خفض كبير للعجز التجاري الأميركي مع الصين ينطوي على اكتساب حق التباهي بسهولة، فهو العجز الذي ظل سنة بعد الأخرى العجز التجاري الثنائي الأكبر في أميركا. في عام 2017، كان العجز مع الصين 375 مليار دولار، أو ثلثي العجز التجاري الأميركي. وعلى هذا فمن الذكاء أن يعرض الصينيون شراء القدر الكافي من السلع الأميركية لخفض هذا الاختلال الواضح.
Subscribe to PS Digital
Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.
Subscribe Now
ولكن في حين أن هذا من شأنه أن يقلل العجز التجاري الثنائي مع الصين، فإنه لن يخلف في حد ذاته أي تأثير على إجمالي العجز التجاري الأميركي. وكما يعلم أي دارس لعلوم الاقتصاد، فإن العجز التجاري يعكس حقيقة اختيار الدولة التي تعاني من العجز أن تستهلك أكثر مما تنتج. وما دام أي بلد يستهلك أكثر مما ينتج، فإنه يضطر إلى استيراد الفارق من بقية العالَم.
إذا كان الصينيون يشترون ما يكفي لخفض العجز الثنائي، فسوف تنتهي الحال بالولايات المتحدة إلى استيراد المزيد من دول أخرى أو خفض صادراتها إلى دول أخرى. ولن ينخفض إجمالي العجز التجاري الأميركي ما لم تقلل الولايات المتحدة إجمالي الطلب من خلال زيادة الادخار. وهو أمر يقرره صناع السياسات في الولايات المتحدة؛ وليست مهمة يمكن أن يقوم بها الصينيون نيابة عن أميركا.
أَكَّد وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين على عرض صيني آخر لا قيمة له إلى حد كبير في هذا الصدد: فقد وعد بمنع قيمة الرنمينبي من الانحدار في مقابل الدولار. ورغم أن الرنمينبي الأقوى من شأنه أن يجعل السلع الصينية أقل جاذبية في نظر المشترين الأميركيين، فيقلل بالتالي من العجز الثنائي، فإنه لن يقلل من اختلال التوازن التجاري بين أميركا والعالَم.
فضلا على ذلك، ورغم أن سعر صرفي الرنمينبي في مقابل الدولار يتفاوت من عام إلى آخر، فإن الاختلافات كانت صغيرة. فاليوم يشتري الدولار الواحد 6.7 رنمينبي صيني؛ وقبل عام واحد كان سعر صرف الدولار 6.3 رنمينبي، وقبل عامين كان 6.9 رنمينبي. وقبل عشر سنوات، في فبراير/شباط 2009، كان الدولار يشتري 6.8 رنمينبي. باختصار، لا يوجد ما يستحق الاحتفال إذا وافق الصينيون على تثبيت قيمة عملتهم في مقابل الدولار.
القضية الرئيسية هنا تكمن في سرقة التكنولوجيا. وما لم يوافق الصينيون على التوقف عن سرقة التكنولوجيا، وما لم يعكف الجانبان على ابتكار طريقة لإنفاذ هذا الاتفاق، فلن تحقق الولايات المتحدة من تعريفات ترمب أي شيء مفيد.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali