zaidi4_Getty Images_womanchildpandemic Getty Images

المفتاح إلى التنمية

بصفتها رئيسة قسم المساواة بين النوعين الاجتماعيين (الجنسين من حيث التذكير والتأنيث)، ومديرة تطوير ومراقبة اللقاحات، وبرامج الأمراض المعوية والإسهال في مؤسسة بِـل وميليندا جيتس، تُـعَـد أنيتا زيدي واحدة من أصحاب الأصوات الرائدة في العالم بشأن القضايا التي تؤثر على النساء والفتيات. في شهر مايو/أيار من عامنا هذا، تحدثت مع بروجيكت سنديكيت حول الطبيعة الجنسانية التي تتسم بها جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) وماذا يلزم لضمان التقدم المستمر نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة على الرغم من النكسات طوال العام ونصف العام الأخيرين.

الرابط بين النوع الاجتماعي والفقر

بروجيكت سنديكيت: في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020، أصبحـتِ أول رئيسة لقسم المساواة بين النوعين الاجتماعيين الـمُـنشأ حديثا في مؤسسة بِـل وميليندا جيتس. وعندما شرحتِ ما دفعك إلى الاضطلاع بهذا الدور، قُـلتِ إن "السبب الأساسي وراء كثير من الأمراض مرتبط بالفقر، والفقر منحاز جنسيا. وبدون معالجة التفاوت بين النوعين الاجتماعيين، سيتوقف التقدم على جبهتي الصحة والتنمية". فما هي بعض أهم الطرق التي يؤثر بها الفقر بشكل غير متناسب على النساء، وكيف قد يساعد التقدم على مسار تحقيق المساواة بين الجنسين الاجتماعيين في انتشال المزيد من الناس من براثن الفقر؟

أنيتا زيدي: لا شك أن الفقر يعمل على توسيع وتعميق أوجه التفاوت القائمة. ويتواصل عدم المساواة بين النوعين الاجتماعيين في كل مكان، لكن التجربة تتشكل من خلال عوامل مترابطة تنبني على النوع الاجتماعي وتتجاوز حدوده. وتشمل هذه العوامل الـعِـرق، والطبقة الاجتماعية الاقتصادية، والعمر، والتوجه الجنسي، والإعاقة.

الواقع أن النساء الفقيرات يتمتعن بحقوق أقل، وسبل حماية أقل، واختيارات أقل. وبصفتي طبيبة، رأيت بنفسي كيف تفوت النساء المواعيد في المستشفيات لأنهن لا يستطعن الحصول على إجازة من أعمالهن أو الإذن من أزواجهن لمغادرة المنزل (أحيانا حتى في حالات الطوارئ الصحية)، أو لأن أسرهن تحتاجهن لمهام أسرية غير مدفوعة الأجر. وقد رأيت فتيات مراهقات يتسربن من المدرسة ليتزوجن حتى لا يواصلن تشكيل عبء مالي على أسرهن. وأنا أعلم أن العديد من الأمهات يواجهن اختيارا مستحيلا بين رعاية أطفالهن والعمل خارج المنزل.

إن المساواة بين النوعين الاجتماعيين أمر أساسي لانتشال الناس من براثن الفقر. ونحن نعلم أن تدخلات مثل دعم رعاية الأطفال والرعاية الصحية الشاملة ضرورية لضمان رفاهة النساء وآفاقهن الاقتصادية. ومن الممكن أن يساهم الاستثمار الحكومي في النقل، وشبكات الكهرباء، والصرف الصحي، والمياه في دعم النساء والتخفيف من عبء العمل غير المأجور.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

لهذا السبب كان في القرار الذي اتخذته المملكة المتحدة بخفض مساعدات التنمية ضربة موجهة إلى جهود الحد من الفقر، وخاصة في ما يتصل بالنساء والفتيات. ويصبح الأمر أشد إيلاما نظرا لحقيقة مفادها أن المملكة المتحدة كانت نصيرا للنساء والفتيات في الماضي. وفي وقت حيث تشير كل الأدلة إلى جائحة ذات أبعاد جنسانية، مع ارتفاع مستويات الفقر بين النساء بشكل حاد، يتعين على المانحين أن يتقدموا، لا أن يتراجعوا.

بروجيكت سنديكيت: تُـظـهِـر بيانات هيئة الأمم المتحدة للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن "في مقابل كل 100 رجل تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عاما ويعيشون في فقر مدقع هذا العام، سيكون هناك 118 امرأة". وهذا يعادل في المجمل 435 ميلون امرأة وفتاة يعشن على 1.9 دولار في اليوم أو أقل، بما في ذلك 47 مليون امرأة وفتاة دُفِـعَ بهن إلى ما دون خط الفقر بفعل الجائحة. ومن المتوقع أن تتسع هذه الفجوة إل 121 امرأة لكل 100 رجل بحلول عام 2030. تُـرى ما هي التدخلات التي يمكن أن تقلل من تعرض النساء لصدمات المستقبل؟

أنيتا زيدي: الواقع أن نافذة الفرصة لمعالجة أوجه التفاوت وحماية النساء أثناء أزمات المستقبل صغيرة في الوقت الحالي. وهذا يعني تقديم برامج وسياسات الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر ضعفا، وخاصة النساء في الاقتصاد غير الرسمي. ينبغي للحكومات أن تعمل أيضا على التعجيل بتحويل أنظمة تحديد الهوية ومنصات الدفع رقميا لضمان تمكين حتى أكثر النساء تهميشا على المستوى الاقتصادي من الوصول إلى الخدمات المالية.

يُـعَـد الاستثمار في خدمات رعاية الأطفال العالية الجودة الميسورة التكلفة ضرورة أساسية للنساء ــ ولبناء اقتصاد شامل وقادر على الصمود في عموم الأمر. ومن خلال توفير خطوط الائتمان وغير ذلك من أشكال التمويل، يصبح بوسع الحكومات تعزيز الأعمال التجارية المملوكة لنساء.

بروجيكت سنديكيت: إذا كان بإمكانك التلويح بعصا سحرية وتنفيذ أي تدخل عالمي لمكافحة الفقر، فإلى أين قد تشيرين بعصاك أولا؟ وما هي أكبر العقبات التي تحول دون ذلك والتي يجب التغلب عليها؟

أنيتا زيدي: المساواة بين النوعين الاجتماعيين بالطبع. إن أفضل طريقة لمعالجة الفقر تتمثل في هدم الحواجز التي تحول دون تحقيق النساء كامل إمكاناتهن. تواجه النساء الحواجز في مختلف المجالات ــ من اتخاذ القرارات بشأن أجسادهن والوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم إلى السعي إلى الفوز بفرص القيادة. لدينا من الأدلة ما يشير إلى أن النساء قادرات على إحداث أثر ضخم على الاقتصاد. وهن يساهمن بالفعل بنحو 37% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بما في ذلك من خلال العمل غير المأجور، الذي يعادل نحو 11 تريليون دولار كل عام.

من قبيل الإهمال والتقصير أن أتغافل عن ذِكر حقيقة مفادها أن توصيل اللقاحات إلى الناس في البلدان المنخفضة الدخل يشكل عقبة ضخمة في الوقت الحالي. لقد تسببت جائحة كوفيد-19 في إحداث بطالة واسعة النطاق وانخفاض الدخل في العديد من القطاعات. كما عطلت الجائحة برامج تطعيم حيوية أخرى غير كوفيد-19 في مختلف أنحاء العالم، وهذا من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على الرعاية الصحية وأعداد الوفيات.

إعادة البناء من أجل النساء

بروجيكت سنديكيت: في مقابلة أجريت معك العام الماضي، قُـلتِ إن كوفيد-19 "كشفت لنا كيف أن عالَـمنا الحالي مبني في الأساس على ظهور النساء وعمل النساء غير المأجور". كيف ينبغي لنا إعادة صياغة أو إعادة تقييم وتثمين الرعاية وغير ذلك من أشكال العمل غير المأجور بعد الجائحة؟ وأي الهياكل الداعمة لمشاركة النساء وتمكينهن اقتصاديا تحتاج إلى "إعادة البناء بشكل أفضل" (أو من الصِـفر)؟

أنيتا زيدي: يجب أن نجعل النساء في صدارة عملية صنع السياسات وتنفيذها. إن لقدرة النساء على العمل عواقب مباشرة في ما يتصل بالحد من الفقر، لأن مقدار الوقت المخصص للرعاية غير المأجورة يرتبط ارتباطا سلبيا بمشاركة الإناث في قوة العمل.

تشمل الحلول التي أثبتت جدواها الاستثمار في الخدمات العامة ــ مثل المياه المنقولة عبر شبكات الأنابيب، والصرف الصحي، والكهرباء، والنقل ــ لتقليل الكدح والوقت الذي تنفقه النساء في أداء الأعمال المنزلية، وتوفير دعم رعاية الأطفال وإعانات الدعم لمساعدة الأسر على إدارة العمل المأجور والرعاية غير المأجورة على نحو أفضل.

في الوقت ذاته، تُـظهِـر الأدلة أن ورش العمل، والحملات الإعلامية، والبرامج المدرسية من الممكن أن تساعد في تغيير المواقف تجاه أعمال الرعاية غير المأجورة. كما يمكن من خلال السياسات وترتيبات العمل التي تشجع الإجازات الملائمة لظروف الأسر دعم النساء بشكل مباشر وغير مباشر. يتعين على الحكومات والمنظمات المانحة أيضا ضمان ضم رعاية الأطفال إلى الحوافز المالية وحزم الإغاثة.

بروجيكت سنديكيت: ذكرتِ أن رعاية الأطفال يجب أن تُـعامَـل على أنها "جزء حيوي من البنية الأساسية العامة". فما هي بعض الفوائد ــ الاقتصادية أو غير ذلك ــ المترتبة على الاستثمار في رعاية الأطفال، والتي لا تحظى بالقدر الكافي من التقدير؟

أنيتا زيدي: الاستثمار في رعاية الأطفال يضمن الفوز للجميع. يوظف هذا القطاع النساء ويوفر الفرص للنساء لامتلاك أعمال رعاية الأطفال في حين يعمل في ذات الوقت على تحرير نساء أخريات وتمكينهن من المشاركة في العمل المأجور أو الاستفادة من فرص التعليم أو التدريب.

يشير تقرير صادر عن مؤسسة التمويل الدولية إلى تحسن الإنتاجية والتحفيز لكل من الرجال والنساء عندما تستثمر الشركات في رعاية الأطفال. وهذا بدوره يسهل على الشركات استئجار الموظفين الموهوبين والإبقاء عليهم.

والاستثمار في رعاية الأطفال هو أيضا استثمار في رأس المال البشري. فهو يعطي الأطفال ــ وخاصة الفتيات اللاتي ينتمين إلى مجتمعات مهمشة ــ مزايا مثل التعليم المبكر والتنشئة الاجتماعية التي تعمل على تحسين نتائج تعليمهم، وتنمية مهاراتهم، وتعزيز إمكانات دخلهم في المستقبل.

كما يؤدي الاستثمار في رعاية الأطفال إلى تحسين النتائج الغذائية لصغار الأطفال.

بروجيكت سنديكيت: كيف يمكننا تغيير العقول والمواقف حول إمكانات النساء الاقتصادية، وخاصة في المجتمعات حيث القيم الأبوية الراسخة؟

أنيتا زيدي: أولا، فتش عن المال. هناك وفرة من الأدلة التي تثبت أن تمكين النساء اقتصاديا يعود بالفائدة ليس على النساء وحسب بل وأيضا أطفالهن، وأسرهن، ومجتمعاتهن، والاقتصاد في عموم الأمر. ونحن نعلم أنه كلما ازداد القدر الذي تتحكم فيه النساء من دخل الأسرة، كلما زادت احتمالية الاستثمار في تعليم الأطفال وانخفاض معدلات زواج الأطفال وانحسار العنف القائم على النوع الاجتماعي.

تشكل النساء ما يقرب من 50% من خمسة مليارات شخص في سن العمل على مستوى العالم، لكن نصفهن فقط يشاركن في قوة العمل، مقارنة بنحو 80% من الرجال. أظهرت منظمة العمل الدولية أن تقليص الفجوات بين النوعين الاجتماعيين في المشاركة في قوة العمل من الممكن أن يعزز الناتج المحلي الإجمالي العالمي بشكل كبير. وكلما كانت الفجوة أكبر، ازدادت الفوائد المترتبة على سدها.

ثانيا، يتعين على صانعي القرار والقادة أن يلتزموا بإحداث تغيير ذي مغزى في السياسات والتمويل، وأن يتعهدوا بالمتابعة إلى النهاية. في نهاية يونيو/حزيران، سيجمع منتدى جيل المساواة بين الحكومات وممثلي القطاع الخاص والمجتمع المدني للتعهد باتخاذ تدابير طموحة ومحددة، بما في ذلك ما يتصل بالعدالة الاقتصادية والحقوق الاقتصادية، لتعزيز المساواة بين النوعين الاجتماعيين. ونأمل أن يبدأ المنتدى عملية متعددة السنوات، فيؤسس منصة ويرسم مخططا يُـحَـمِّل القادة المسؤولية ويدفع التقدم الأسرع نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

بروجيكت سنديكيت: في الولايات المتحدة، يشكل تمويل المنظمات التي تركز على دعم النساء والفتيات نسبة ضئيلة للغاية من العطاء الخيري، على الرغم من حقيقة مفادها أن المساواة بين النوعين الاجتماعيين هي المفتاح إلى تحقيق العديد من أهداف التنمية الأخرى. لماذا هذا، وكيف يمكن تصحيحه؟

أنيتا زيدي: في عام 2017، بلغت التبرعات الخيرية لمنظمات النساء والفتيات في الولايات المتحدة نحو 7.1 مليار دولار، وهو الرقم الذي قد يبدو كبيرا إلى أن تدرك أنه يمثل 1.6% فقط من إجمالي العطاء. خلال الفترة من 2012 إلى 2017، سجل الدعم الخيري للمنظمات المخصصة للنساء والفتيات نموا بنحو 36.4%، على الأرجح في الاستجابة لوعي متزايد بقضايا النوعين الاجتماعيين، مثل مسيرة النساء وحركة #MeToo. ورغم أن كل هذا عظيم، فإن الاحتياج لا يزال كبيرا.

علاوة على ذلك، نحن نفتقر إلى الحقائق والأرقام الأساسية، بسبب فجوات كبرى في البيانات المصنفة تبعا للجنس. ولا يمكننا معرفة ما لا نستطيع حسابه أو قياسه. كما يُـعَـد قياس الدعم المقدم لمنظمات النساء والفتيات أمرا بالغ الصعوبة لأنه يتوقف على الكيفية التي تُـعَــرِّف بها المنظمة العمل ذاته.

على الجانب الإيجابي، تشكل النساء المانحات غالبية المانحين لقضايا النساء والفتيات. وهذا يوضح أن المزيد من النساء يكتسبن الثروة ويستخدمنها لدعم النساء والفتيات. في الوقت ذاته، لا يجوز لنا أن ننسى أن المساواة بين النوعين الاجتماعيين ليست مجرد قضية للنساء. فلا يزال الرجال يحتفظون بغالبية الثروة؛ ويجب أن يضطلعوا بدور أساسي في دعم المنظمات والقضايا التي من شأنها أن تساعدنا في الوصول إلى المساواة بين النوعين الاجتماعيين.

السؤال الذي يظل بلا إجابة هو كيف قد تؤثر جهود التخفيف من آثار الجائحة على مشهد العطاء بالنسبة إلى النساء والفتيات. نحن نعلم أن العطاء ازداد بشكل كبير في عام 2020، وأن النساء تأثرن سلبا بشكل أكبر بالتداعيات الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على الجائحة. وسوف نرى إلى أي مآل ستقود هذه الحال المنظمات الداعمة للنساء والفتيات على وجه التحديد.

الرابط بين المساواة بين النوعين الاجتماعيين والصحة

بروجيكت سنديكيت: الصحة عامل رئيسي في المساواة بين النوعين الاجتماعيين. فهل توجد أنظمة صحية نموذجية تعمل لصالح النساء، أو نماذج عمل يمكن توسيع نطاقها أو تكرارها؟

أنيتا زيدي: صحيح أن فوارق كبيرة قائمة بين الجنسين في الصحة وأن الأنظمة الصحية ليست محايدة في ما يتصل بالجنسين. تواجه النساء تحديات متعددة: فلا يقتصر الأمر على تحميلهن المسؤولية عن أسرهن وحسب، بل إن الأجزاء من الأنظمة الصحية التي ترعى النساء في المقام الأول هي الأكثر هشاشة والأضعف تمويلا.

إن جعل الأنظمة الصحية تعمل لصالح النساء يعني فهم هذه التحديات على المستويات كافة. ويتضمن هذا جمع البيانات المصنفة تبعا للنوع الجنسي، حتى نكون على دراية بالاتجاهات في استخدام الخدمات والنتائج الصحية. وبهذا نضمن أن المرافق الصحية والعاملين الصحيين مجهزين لتلبية احتياجات النساء والفتيات.

من الأمثلة الرائعة لتصميم الأنظمة لصالح النساء الجهود التي تبذلها بنجلاديش لتدريب الآلاف من العاملين في مجال الصحة المجتمعية (أغلبهم من النساء). أسهم هذا التدريب في زيادة القدرة على الوصول إلى القابلات الماهرات وأدى إلى نشوء خدمات الصحة الإنجابية الأكثر تكاملا، التي تقترن ببرامج تنظيم الأسرة، والرعاية السابقة للولادة، ورعاية حديثي الولادة، وكل هذا في مكان واحد.

بروجيكت سنديكيت: هل ينطوي الأمر على قضايا لا تُـطـرَح للمناقشة في ما يتصل بالصحة العامة العالمية، لكن مناقشتها أمر واجب؟

أنيتا زيدي: لا زلنا نعاني من نقص كبير في الاستثمار في مشاريع البحث والتطوير التي تتناول مجموعات مستبعدة تاريخيا من البحث الطبي. ومن النتائج الصارخة المترتبة على هذه الحال الافتقار إلى لقاحات للأمراض التي تؤثر في المقام الأول على البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وعلى الرغم من اختراقات حديثة نجحنا في تحقيقها، مثل تطوير لقاحات جديدة ضد التيفوئيد، فإننا لا نزال نفتقر إلى لقاح فَـعَّـل ضد مرض الـسُـل، أو فيروس نقص المناعة البشرية، أو التهابات الجهاز التناسلي. بالانتقال إلى جانب القدرة على الوصول، نجد أن غالبية النساء والفتيات في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا لم يتلقين لقاح فيروس الورم الحليمي البشري ضد سرطان عنق الرحم، وهو واحد من أكثر أنواع السرطان فتكا بالنساء.

على نحو مماثل، توقف الابتكار في تقديم أدوات صحة المرأة. تنفق شركات الأدوية في المتوسط 2% فقط من إيرادات مبيعات موانع الحمل على البحث والتطوير لابتكار منتجات جديدة ــ وهذا أقل كثيرا من متوسط الصناعة للأدوية الأخرى. مع ذلك، لا تزال خيارات منع الحمل لا تلبي احتياجات كل النساء والفتيات. لمعالجة هذه المشكلة، نحتاج إلى البحث والتطوير في مجال تكنولوجيات منع الحمل، فضلا عن الاستثمار في منصات جديدة يمكنها تقديم خدمات ومعلومات تنظيم الأسرة بشكل سري ومريح وبتكاليف ميسورة.

بروجيكت سنديكيت: من خلال عملك كمديرة لتطوير ومراقبة اللقاحات، وبرامج الأمراض المعوية والإسهال في مؤسسة بِـل وميليندا جيتس، وفي أبحاثك كالتي تناولت الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات في السياقات حيث الموارد محدودة، سلطتِ الضوء مرارا وتكرارا على الدور الحاسم الذي يضطلع به العاملون في مجال الصحة المجتمعية المدربين جيدا. فكيف يمكننا أن نفعل المزيد لدعم العاملين الصحيين، وماذا يتعين علينا القيام به للتغلب على النقص العالمي في أعداد هؤلاء العاملين، وخاصة في المجتمعات المنخفضة الدخل؟

أنيتا زيدي: العاملون في مجال الرعاية الصحية هم حقا مركز نظام الرعاية الصحية ويشكلون جزءا لا يتجزأ في تقديم خدمات التحصين. ودعمهم يعني الاستثمار في الصحة والتعليم على كل المستويات: مساعدة الأطفال في الذهاب إلى المدرسة، وإنشاء برامج التدريب، ثم دعم العاملين الصحيين بالموارد ــ مثل معدات الوقاية الشخصية ــ اللازمة لتسليم رعاية عالية الجودة بأمان.

هذا بدوره يتطلب التركيز على القادة الذين يتخذون القرارات على أعلى المستويات. تشكل النساء 70% من قوة العمل في مجال الرعاية الصحية، لكنهن يمثلن نحو 25% فقط من قيادات الصحة العالمية. وهذا النقص في التمثيل لا يؤدي إلى إعاقة النساء وإهدار مواهبهن وحسب، بل ويُـفضي غالبا إلى سياسات صحية لا تستجيب للنوع الاجتماعي، وهو ما قد يخلف عواقب وخيمة. ويشكل تمكين الفتيات والنساء اقتصاديا وتعليميا جزءا من الحل لهذه المشكلة. لكن يتعين علينا أيضا أن نطلب من الرجال في الميدان أن يدعموا زميلاتهم.

بروجيكت سنديكيت: في عام 2019، أشدتِ بالنجاحات الأخيرة التي تحققت في توصيل اللقاحات إلى البلدان المستضعفة المعرضة للخطر. لكن عندما يتعلق الأمر بلقاحات كوفيد-19، نشهد تفاوتات عالمية حادة. فكيف يمكن جعل البنية الأساسية الحالية لتوصيل اللقاح مناسبة للغرض؟

أنيتا زيدي: لدينا الآن العديد من اللقاحات الـفَـعَّـالة والآمنة ضد كوفيد-19. ويتمثل التحدي الأكبر الذي يواجه أغلب البلدان في هذه المرحلة في التفاوت في القدرة على الوصول إلى إمدادات ثابتة. ونحن في احتياج إلى جهود مضاعفة من قِـبَـل البلدان ذات الدخل الأعلى من خلال التبرع بجرعات أو المساهمة في مبادرة الوصول العالمي للقاحات كوفيد-19 (كوفاكس)، التي تمثل جهدا عالميا لضمان التسليم العادل للقاحات كوفيد-19.

عندما يتعلق الأمر بالبنية الأساسية ذاتها، فإن العديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل لديها في حقيقة الأمر خبرة أكثر من تلك التي تتمتع بها البلدان الغنية في ما يتصل بتسليم اللقاحات بفعالية والتطعيم الجماعي. ونحن نشهد بالفعل مردود هذه الخبرة. على سبيل المثال، سلمت رواندا 96% من لقاحات كوفيد-19 في أول أسبوعين من حملتها من خلال إعادة استخدام بنيتها الأساسية القائمة ــ بما في ذلك قوة العمل الصحي المدربة ونظام إدارة البيانات ــ التي أنشئت في الأصل لأعمال التحصين الروتينية. كما يعمل شركاء عالميون، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية، ومنظمة اليونيسيف، وتحالف اللقاحات جافي، على نحو متواصل مع البلدان لتعزيز هذه البنية الأساسية.

بروجيكت سنديكيت: في عموم الأمر، كيف يمكن أن تستعد المجتمعات في كل مكان بشكل أفضل للجائحة التالية؟

أنيتا زيدي: لقد تعلم العالم الكثير حول التدابير اللازمة للاستعداد للجائحة التالية. وقد رأينا الجميع من الباحثين العلميين ومنظمات الصحة العالمية إلى العاملين في الخطوط الأمامية يبدعون في الاستجابة لكوفيد-19 بأكبر قدر ممكن من الفعالية. ولكن بعد انتهاء حالة الطوارئ هذه، يتعين على البلدان أن تواصل العمل معا لبناء وصيانة بنية أساسية دائمة للتأهب والاستجابة للأوبئة.

على المستوى الوطني، يتطلب هذا تعزيز الأنظمة الصحية حتى يتمكن العاملون في مجال الرعاية الصحية من القيام بأعمال الوقاية والعلاج اليومية. وفي مختلف أنحاء العالم، سيتطلب الأمر الاستثمار في الكشف عن الأمراض بطرق متطورة وتعزيز القدرة على البحث والتطوير، وتصنيع مليارات من الجرعات من العلاجات واللقاحات الآمنة والفعالة ضد الأمراض الجديدة.

وعلى هذا فإن الاستعداد الفعال للجائحة التالية سيتطلب الاستعانة بمزيج من الاستثمار الضخم والتعاون على نطاق واسع ــ لن ينجح نهج يتعامل مع الأمر على أساس كل بلد على حِـدة. وسوف يتكلف الأمر مليارات الدولارات من جميع القطاعات؛ ولكن كما نرى الآن، فإن التقاعس عن استثمار مليارات سيكلف العالم عدة تريليونات من الدولارات في الأمد البعيد.

دروس من العمل على الأرض

بروجيكت سنديكيت: لقد أمضيت قسما كبيرا من حياتك المهنية تعملين في كل من باكستان والغرب. فلماذا كان هذا مهما لك ليس فقط على المستوى الشخصي بل وأيضا على المستوى المهني؟

أنيتا زيدي: كان لحياتي وخبرتي العملية في باكستان تأثير كبير على مسيرتي المهنية في مجال صحة الأم والطفل والدعوة إلى تحقيق المساواة للنساء. وقد فكرت كثيرا في الكيفية التي نصمم بها أنظمة رعاية لا تعمل لصالح النساء وكيف أن الصحة العالمية لا تعمل لصالح النساء.

على سبيل المثال، شاهدت كيف كانت النساء دوما هن من يحضرن أطفالهن إلى العيادة للتحصين، ومع ذلك لم يكن تصميم البرامج يركز على احتياجات النساء. وكان لزاما على النساء القيام برحلة إل العيادة للتحصين، وأخرى لتنظيم الأسرة، وثالثة لرعاية ما بعد الولادة، وما إلى ذلك.

في كثير من الأحيان، لا تتوفر الخدمات بشكل متكافئ. فقد تسير إحدى النساء لساعات حاملة طفلها بين ذراعيها أو على ظهرها لكي تجد أن الخدمة غير متوفرة في ذلك اليوم. من الممكن أن يحصل أي مجتمع على أفضل الخدمات الصحية المتاحة، ولكن إذا كنا نتوقع أن تقف النساء في الطابور لساعات ويستغرقن نصف يوم بعيدا عن أكشاكهن في السوق، على سبيل المثال، أو أعمالهن المنزلية، فهل نحن نساعدهن حقا على التغلب على الحواجز؟ بمجرد أن نوجه عدسة النوع الاجتماعي إلى أي شيء، فسوف نرى أين تكمن التأثيرات غير المتناسبة.

بروجيكت سنديكيت: في عام 2013، حصلتِ على جائزة كابلو للأطفال (Caplow Children’s Prize) لعملك في جلب الخدمات الصحية إلى الأمهات والأطفال في المناطق المنخفضة الدخل في كراتشي. تُـرى ما هي الدروس التي تعلمتها من هذه التجربة، وما هي بعض الحلول الأكثر إبداعا التي رأيتها أو استخدمتها لتحسين نتائج الصحة في البيئات الفقيرة الموارد؟

أنيتا زيدي: كان هدفنا يتمثل في تقليل الوفيات بين الأمهات وأطفالهن، وزيادة معدلات الرعاية السابقة للولادة، وتحسين معدلات التحصين. وقد قمنا بدمج الخدمات للنساء والأطفال لجعل الوصول إليها أكثر سهولة وأكثر بساطة، في حين عملنا أيضا على بناء الدعم من خلال المشاركة المجتمعية النشطة وتنسيق الرعاية، ومن خلال توفير وسائل النقل. وفي خدمة الأمهات في المخاض، عملنا على ضمان حصولهن على قابلات ماهرات.

لقد تعلمنا أن اتباع نهج متكامل يركز على المريض من الممكن أن يعمل على تحسين المؤشرات الصحية بسرعة. لكني رأيت أيضا كيف يتسبب الفقر المدقع، والتفاوت بين النوعين الاجتماعيين، والأعراف الأبوية، وسوء التغذية بين الأمهات، والافتقار إلى القدرة على الوصول إلى رعاية التوليد المتقدمة المستوى، في خلق حواجز بنيوية تحول دون التقدم إلى ما يتجاوز مستوى معين. ومن الأهمية بمكان معالجة هذه القضايا لتلبية أهداف التنمية المستدامة لعام 2030.

بروجيكت سنديكيت: لقد ساعدت في إنشاء برنامج WomenLift Health، الذي يسعى إلى تعزيز التنوع في القيادة الصحية العالمية. فكيف يمكن تأطير هذا الهدف في السياقات المحلية لتحسين العدالة الصحية والنتائج الصحية؟

أنيتا زيدي: النساء عبارة عن مُـجَـمَّـع من المواهب غير المستفاد منها وغير المستغلة بالقدر الواجب. نحن جميعا نتخذ قرارات أفضل عندما نعمل مع فرق متنوعة تجلب مجموعة من التجارب ووجهات النظر الحية إلى الطاولة. وقد أثبتت الأبحاث حول حوكمة الشركات فوائد التنوع مرارا وتكرارا، وكل الدلائل تدعونا إلى الاعتقاد بأن نتائج مماثلة تنطبق في مجالات أخرى أيضا. يجب أن يكون القادة شبيهين بالمجتمعات التي يخدمونها، على المستويين المحلي والعالمي.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/blzcoLcar