shiller53_Jeffrey GreenbergUniversal Images Group via Getty Images_foreclose house Jeffrey Greenberg/Universal Images Group via Getty Images

فقاعة الازدهار ومتاعبها

إن مستقبل ازدهار سوق الإسكان، والعواقب المالية التي قد تترتب على انحدار أسعار الإسكان خلال الأعوام القادمة، لَـمِن الأمور التي تتسبب في انزعاج متزايد بين الحكومات في كافة أنحاء العالم. ولقد أدركت هذا من واقع تجربتي الشخصية أثناء حضوري لمؤتمر جاكسون هول الذي انعقد في منطقة نائية مقفرة من وايومنغ في الولايات المتحدة، حيث لا توجد أية بيوت يمكن للمرء أن يشتريها، وإنها لمفارقة عجيبة. كانت أصوات عواء ذئاب شمال أميركا الصغيرة، وخوار الأيائل الذي يشبه الأبواق، تجلجل في هدأة الليل. ولكن بطلوع النهار كان الجميع يتحدثون عن العقارات السكنية.

لقد نما هذا المؤتمر حتى تحول إلى حدث دولي مهم بالنسبة لصناع القرار في مجال السياسات النقدية الحكومية، حيث حضر مؤتمر هذا العام 34 من رؤساء البنوك المركزية أو نائبيهم من بلدان متفرقة من كافة أنحاء العالم. وأستطيع أن أقول إن ثلثي هذه البلدان تقريباً قد شهدت ازدهاراً مذهلاً في سوق الإسكان منذ العام 2000، وما زال هذا الازدهار مستمراً في أغلبها، أو على الأقل في الوقت الحالي. ورغم هذا فقد غاب الإجماع على التوقعات الخاصة بأسعار المساكن على الأمد الأبعد.

من بين كل هذه البلدان كانت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي بلغت في أغلب الظن نهاية هذه الدورة. وطبقاً لمؤشر "ستاندرد آند بور/كيس-شيللر" الوطني لأسعار المساكن في الولايات المتحدة، فقد شهدت أسعار المساكن في الولايات المتحدة زيادة بلغت 86% (مُـعَدَّلة تبعاً للتضخم)، في الفترة من 1996 إلى 2006، إلا أنها هبطت بنسبة 6.5% منذ ذلك الوقت ـ ويبدو أن معدل الهبوط في تسارع مستمر.

يبدو الأمر وكأننا نشهد الآن بداية نهاية موجة الازدهار، إلا أن أحداً لا يستطيع أن يجزم بهذا بطبيعة الحال. كنت قد طرحت في هذا المؤتمر وجهة نظر تشاؤمية بعض الشيء على الأمد البعيد، ولقد عارض العديد من الحاضرين وجهة نظري هذه إلا أن المناقشة انتهت دون أن يتمكن أي منا من ترجيح رأيه.

ولكن ربما كان أي مراقب من الخارج قد يُـذهل إزاء الدلائل التي تشير إلى قوة احتمالات التراجع الحقيقي الذي قد يعاني منه الازدهار الذي دام عقداً من الزمان، وما قد يعقب ذلك من هبوط خطير في أسعار الإسكان. ويبدو أن الحاضرين عموماً قد أقروا بوجود الخطر المتمثل في احتمالات الهبوط بمعدلات كبيرة، كما بدت أزمة الائتمان الحالية مرتبطة بالانحدار الذي شهدته بالفعل أسعار المساكن في الولايات المتحدة.

لقد كان هذا الازدهار، والقناعة الراسخة بأن أي تغيير في أسعار المساكن لن يكون إلا صعوداً، من الأسباب التي أدت إلى إضعاف معايير الإقراض. ويبدو أن مقرضي الرهونات العقارية قد تصوروا أن مشتري المساكن لن يتخلفوا عن سداد الأقساط، وذلك لأن الأسعار المرتفعة من شأنها أن تجعل من سداد الأقساط أمراً مريحاً وجذاباً.

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions
PS_Sales_Spring_1333x1000_V1

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions

Subscribe now to gain greater access to Project Syndicate – including every commentary and our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – starting at just $49.99.

Subscribe Now

فضلاً عن ذلك فقد أسفرت موجة الازدهار عن عدد من الابتكارات المالية الجديدة، التي ربما كانت طيبة في جوهرها، إلا أن تطبيقها كان في بعض الأحيان يتسم بقدر أكبر مما ينبغي من المغامرة والعدوانية، نظراً للمجازفة المتمثلة في احتمالات هبوط الأسعار. ولقد فُـرِضَت السندات المالية المدعومة بالرهن العقاري فرضاً على تلك الفئة من المستثمرين التي كانت هذه الاستثمارات تشكل بالنسبة لهم مجازفة مفرطة. وكما كانت الحال مع مشتري المساكن فقد غاب التفكير المتعقل المتروي، على أساس أن أسعار المساكن كانت مستمرة في الارتفاع بمعدلات صحية.

في مؤتمر جاكسون هول زعم بول مكولي من مؤسسة PIMCO ، أو صندوق السندات الأضخم على مستوى العالم، أننا على مدار الشهر أو الشهرين الماضيين كنا نشهد آلية عمل ما أطلق عليه "النظام المصرفي الظِل"، أو النظام الذي يتألف من كل قنوات ومحركات وهياكل الاستثمارات الجديدة التي صاحبت موجة ازدهار الإسكان. وكان هذا النظام المصرفي الظِل، البعيد كل البعد عن سيطرة مراقبي البنوك وتأمين الودائع، سبباً في تغذية الازدهار الذي شهدته أسعار المساكن نتيجة لمساعدته في تقديم المزيد من أرصدة الائتمان للمشترين.

إن حالات فرار المدخرين من البنوك تحدث حين ينتاب الناس القلق بشأن عجز البنوك عن الوفاء بالتزاماتها إزاء ودائعهم، فيسارعون إلى سحب أموالهم، الأمر الذي يؤدي إلى الإفلاس الذي كان أشد ما يخشونه. وليس من قبيل الصدفة أن ينشأ هذا النوع الجديد من الفرار من البنوك في الولايات المتحدة، التي تشكل أوضح مثال على هبوط أسعار المساكن في العالم اليوم. فحين تتوقف أسعار المساكن عن الارتفاع، يفقد مشترو المساكن الجدد الحماس اللازم للاستمرار في تسديد أقساط رهنهم العقاري ـ وبالتالي يفقد المستثمرون ثقتهم في السندات المالية المدعومة بالرهن العقاري.

في بعض الأحيان قد يُحِمِّل بعض الناس بنك الاحتياطي الفيدرالي المسئولية عن أزمة الرهن العقاري الحالية، وذلك لأن السياسة النقدية المفرطة في التساهل كانت سبباً حسب زعم بعض المحللين في تغذية موجة ارتفاع أسعار المساكن التي سبقت الأزمة الحالية. والحقيقة أن أسعار الفائدة الحقيقية (الـمُـعدَّلة تبعاً للتضخم) على الأوعية الفيدرالية كانت سالبة لمدة 31 شهراً، بداية من أكتوبر/تشرين الأول 2002 حتى إبريل/نيسان 2005. وكانت السابقة الوحيدة لهذه الظاهرة منذ العام 1950 قد استمرت لمدة 37 شهراً، من سبتمبر/أيلول 1974 إلى سبتمبر/أيلول 1977، وهي الفترة التي أدت إلى أسوأ موجة تضخم تشهدها الولايات المتحدة طيلة القرن الماضي. وكانت نفس العوامل التي ساعدت آنذاك في ازدهار أسعار المستهلك، هي التي ساهمت الآن في ازدهار أسعار المساكن.

إلا أن السياسة النقدية غير المحكمة لا تفسر كل الأمر. ذلك أن انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية إلى هذا الحد غير العادي على الودائع حاء بعد فترة طويلة من بداية موجة ازدهار الإسكان في الولايات المتحدة. وطبقاً لمؤشر "ستاندرد آند بور/كيس-شيللر" الوطني لأسعار المساكن في الولايات المتحدة، فقد كانت أسعار المساكن في ارتفاع بالفعل، بمعدل 10% سنوياً بحلول العام 2000 ـ وهو الوقت الذي شرع فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة على الأوعية الفيدرالية، والتي بلغت 6.5%. هذا يعني أن هذه الزيادة السريعة كانت في أغلب الظن نتيجة لزخم المضاربة الذي تعزز كثيراً قبل تخفيض أسعار الفائدة.

إن الانحدار الحالي في أسعار المساكن يرتبط، على نفس القدر من الوضوح، بتضاؤل الحماس إلى المضاربة بين المستثمرين، وهو ما لا يتصل كثيراً بالسياسة النقدية. من المتوقع أن تواجه السلطات النقدية العالمية متاعب جمة في محاولة وقف هذا الانحدار، فضلاً عن العديد من المشاكل المصاحبة التي ستنشأ نتيجة لهذه المحاولات، تماماً كما كانت نفس السلطات قد تواجه المتاعب والمشاكل لو حاولت وقف موجة الصعود التي سبقت الانحدار الحالي.

https://prosyn.org/skiA852ar