tubiana18_Beata ZawrzelNurPhoto via Getty Images_EUflaggreenclimate Beata Zawrzel/NurPhoto via Getty Images

ماذا تعني انتخابات الاتحاد الأوروبي لسياسة المناخ الأوروبية؟

باريســ كانت أسابيع عصيبة علينا نحن الذين التزمنا بجعل أوروبا أكثر اخضرارا وتقدمية. ففي انتخابات البرلمان الأوروبي، فازت أحزاب اليمين المتطرف بنحو 20% من الأصوات وحصلت على ما يقرب من خُـمس كل المقاعد. وفي بلدي فرنسا، احتل حزب التجمع الوطني المركز الأول، وقد يتمكن قريبا من تشكيل حكومة يمينية متطرفة، إذا تمكن من تكرار ذات الأداء في الانتخابات المبكرة المقبلة.

في حين تشكل مواقف أحزاب اليمين المتطرف بشأن قضايا الهجرة وتكاليف المعيشة معظم مكاسبها، فإن كثيرا منها أيضا تعادي سياسات المناخ صراحة. بيد أن الاستسلام للقدر سيكون أسوأ استجابة ممكنة. فلم تكن نتائج الانتخابات رفضا لسياسات خضراء طموحة، ومن قبيل الخطأ التاريخي أن يفسرها قادتنا على هذا النحو. تظهر استطلاعات الرأي باستمرار أن الأوروبيين يؤيدون اتخاذ تدابير أقوى في التعامل مع تغير المناخ، حيث تعتبره أغلبية عظمى (77%) مشكلة شديدة الخطورة.

على النقيض مما أوردته بعض العناوين الرئيسية، احتفظت الأحزاب المؤيدة للاتحاد الأوروبي بمكانتها في التكوين العام للبرلمان الأوروبي. ويظل حزب الشعب الأوروبي الذي ينتمي إلى يمين الوسط يشكل أكبر تجمع وسوف يكون في قلب أي ائتلاف يُـشَـكَّـل. في برنامج حملته الانتخابية لعام 2024، التزم الحزب بمواصلة وتطوير صفقة الاتحاد الأوروبي الخضراء التاريخية.

ولم تكن "موجة" اليمين المتطرف محسوسة في مختلف أنحاء أوروبا. ففي سلوفاكيا، تغلب حزب سلوفاكيا التقدمي الوسطي على الحزب الشعبوي الحاكم على خلفية الإقبال غير المسبوق على التصويت. وفي بلدان الشمال، أحرزت الأحزاب التقدمية المؤيدة للعمل المناخي تقدما ملموسا، وخسرت الأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة الدعم فعليا. بوسع بقية أوروبا أن تتعلم الكثير من فنلندا، حيث ساعدت استراتيجية جادة ومتعددة الجوانب لمكافحة المعلومات المضللة في جعلها أقل عُرضة من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي للأخبار الزائفة.

مع ذلك، لا أحد يستطيع أن ينكر أن مكاسب اليمين المتطرف سيكون لها عواقب سلبية على أهداف السياسة التقدمية. ولني يحظى العمل المناخي الطموح بذات الدعم الكامل الذي حظي به على مدار السنوات الخمس الأخيرة، عندما كان الإجماع عليه واسع الانتشار. فقد برزت قضايا مثل الأمن، والقدرة التنافسية، والهجرة بدرجة كبيرة في الحملة الانتخابية، ومن المؤكد أنها ستحظى بالأولوية على خفض الانبعاثات. وسوف يصبح صنع السياسات أقرب إلى المقايضة، حيث تُـفـرِز المساومات السياسية برنامجا مناخيا أقل اتساقا على المستوى الإيديولوجي.

ولكن كيف ينبغي لنا نحن الذين نريد للاتحاد الأوروبي أن يحافظ على زعامته للعمل المناخي أن نستجيب لهذه الحقائق الجديدة؟ جزئيا، نحن نواجه تحديا فيما يرتبط بالاتصالات. ويتعين علينا أن نُـبـرِز الفوائد الأعرض المترتبة على التحول الأخضر: كيف سيساعد الناس على إدارة حياة أكثر صحة وأمانا وازدهارا وكرامة. لا يكفي أن نشكو من أن اليمين استغل هازئا مظالم الناخبين ومخاوفهم. بل يتعين علينا أن نقدم رؤية أكثر جاذبية وإيجابية للبديل. لن يتسنى لنا معالجة الاستقطاب السياسي إلا من خلال سياسات أكثر عدالة والاستماع إلى المواطنين ــ الذين يشعر كثيرون منهم بالتجاهل والتهميش.

BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99
BF2024-Onsite-1333x1000

BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99

Subscribe now to gain access to insights and analyses from the world’s leading thinkers – starting at just $34.99 for your first year.

Subscribe Now

يتعين على النشطاء البيئيين أيضا إقناع قيادات الاتحاد الأوروبي الأكثر ميلا إلى اليمين بأن مشكلات أوروبا مترابطة ولا يمكن معالجتها بمعزل عن بعضها بعضا. ولأن تغير المناخ يساهم في تضخيم تحديات أخرى مثل انعدام الاستقرار الجيوسياسي والهجرة، فإن العمل المناخي لابد أن يكون جزءا لا يتجزأ من نهج أوروبا في التعامل مع الأمن.

تؤكد نتائج الانتخابات هذه بدرجة أكبر على احتياجنا إلى التركيز على البعد الاجتماعي لعملية صُنع السياسات، سواء على مستوى الاتحاد الأوروبي أو المستوى الوطني. ويتعين علينا أن نتعامل بجدية مع أوجه التفاوت الكبرى في الثروة والانبعاثات، إلى جانب أشكال التفاوت الإقليمية. فقد أصبحت هذه الفوارق تشكل على نحو متزايد تعريف المجتمع الأوروبي، وهذا يخلق الظروف المواتية لليمين المتطرف وردود الفعل العنيفة في عموم الأمر ضد السياسات المناخية.

لنتأمل هنا أن العُشر الأكثر ثراء في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يُـطـلِـق مقادير من الانبعاثات تتراوح بين 3 إلى 5 أضعاف ما يطلقه الفرد المتوسط، وما يزيد بنحو 16 ضعفا عن ما يطلقه العُشر الأكثر فقرا. هذا الظُـلم لا يخفى على الناخبين. في فرنسا، يتفق 76% من الناس على أن "الاعتدال في استخدام الطاقة يُفرَض على الناس فقط، ولكن ليس على الـنُـخَـب"، ويتفق 79% على أن "الأشد فقرا هم من يدفعون ثمن أزمة المناخ والطاقة بينما الأغنياء هم المسؤولون عنها".

سوف يشكل الشعور الـمُـبَـرَّر لدى جماهير الناس بالظلم عقبة مستمرة تحول دون تقدم العمل المناخي ما دامت هذه الفوارق متروكة دون علاج. نحن في احتياج إلى تغيير النهج جذريا لوضع العدالة الاجتماعية والمساواة في مركز عملية صُنع السياسات، والدفاع عن الديمقراطية ذاتها وتحسينها. في كثير من البلدان الأوروبية، يتعرض الناشطون التقدميون والمنظمات غير الحكومية لضغوط متزايدة الشدة ويواجهون قيودا قانونية جديدة كجزء من تراجع أعرض للحريات الديمقراطية. وفي بعض الحالات، نشهد محاولات وقحة للضغط على المجتمع المدني وتقليص جهوده.

يجب أن تذكرنا نتائج الانتخابات الأوروبية بأن الصفقة الخضراء الأوروبية والديمقراطية الأوروبية من الشروط الأساسية للعمل المناخي وأي قضايا تقدمية أخرى. ولا يجوز لنا أن نستسلم. لقد أنفقت من حياتي في خوض حملات مكافحة تغير المناخ ما يكفي لأدرك أن التقدم لا يسير في خط واحد محدد. الحق أن المسؤولية تقع على عاتقنا لإعادة تجميع الصفوف وتجديد التزامنا بمستقبل أكثر عدالة واخضرارا.

ترجمة: إبراهيم محمد علي        Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/YWmH3SCar