bf09650446f86f380ee39f28_m4618c.jpg

الكفاح من أجل روح باكستان

كمبريدج ـ بينما يواجه الجيش الباكستاني حركة طالبان في وادي سوات في قتال دموي متصاعد، فإن باكستان تقاتل من أجل روحها. ويبدو أن الفوز سوف يكون من نصيب الجيش هذه المرة، وذلك في تناقض ملحوظ مع مواجهاته الفاترة المترددة الأخيرة مع قوات طالبان في المناطق القَـبَلية المجاورة.

الآن يسعى أعضاء حركة طالبان إلى النجاة بحياتهم، فحلق بعضهم لحاهم، وتخفى بعضهم الآخر خلف النقاب، لكي يتجنبوا التعرف عليهم وتصيدهم الواحد تلو الآخر. والسبب بسيط: فقد أصبح الناس في مختلف أنحاء باكستان يؤيدون على نحو متزايد العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش الآن. وهذا الدعم مستمر على الرغم من التكاليف الإنسانية الرهيبة: أكثر من 1,5 مليون لاجئ داخلي.

لقد سبقت هذه الجولة من القتال فترة هدوء، حين سعت الحكومة إلى إخضاع المتشددين في المناطق القَـبَلية من باكستان عن طريق عقد اتفاق مع زعيم طالبان صوفي محمد . ولقد حظي هذا الاتفاق، الذي أسس نسخة من حكم الشريعة الإسلامية في المنطقة في مقابل تعهد المقاتلين بإلقاء أسلحتهم، بمباركة حزب عوامي الوطني شبه الليبرالي، والذي يحكم الإقليم الواقع على الحدود الشمالية الغربية، حيث يقع وادي سوات.

غير أن تأكيدات طالبان بالتزامها بالهدوء ذهبت أدراج الرياح بسبب حادثتين كشفتا عن وجهها الحقيقي. أولاً، بثت القنوات الإخبارية الخاصة في مختلف أنحاء البلاد مقطع فيديو تم تسجيله باستخدام هاتف محمول لتنفيذ عقوبة الجلد العلني على فتاة من سوات تبلغ من العمر سبعة عشر عاماً. ولقد نقل هذا إلى عامة الناس شعوراً صارخاً بحقيقة العدالة التي تعهدت بها طالبان لهم.

ثم أجرت قناة GEO TV مقابلة مع صوفي محمد ، حيث شرح وجهات نظره وآراءه السياسية. وعلى حد تعبيره فإن الديمقراطية غير إسلامية، وكذلك الدستور والجهاز القضائي الباكستاني، والإسلام يمنع المرأة من الحصول على التعليم أو الخروج من منزلها إلا لأداء فريضة الحج في مكة.

ولقد أصابت هذه التصريحات المحافظين بالذهول. وسارع زعماء الأحزاب الدينية إلى شجب واستنكار آراء صوفي محمد . ونشرت وسائل الإعلام الباكستانية تعليقاً شهيراً للشاعر الفيلسوف محمد إقبال الذي ابتكر فكرة إقامة دولة إسلامية مستقلة في باكستان، والذي قال فيه: "إن حكم الملالي ليس أكثر من فوضى باسم الله".

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription
PS_Sales_Winter_1333x1000 AI

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription

At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.

Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.

Subscribe Now

ورغم ذلك فلن ينتهي هذا الأمر قبل أن يبلغ مداه الأقصى ـ وفي الأمد القريب سوف يتوقف الكثير على قدرة الدولة على فرض سيطرتها على منطقة سوات وإعادة بناء المؤسسات المدنية هناك. وحتى لو نجحت الدولة، فإن إعادة فرض السيطرة على سوات لن تكون أكثر من خطوة أولى. إن طالبان منتشرة في الإقليم الحدودي الشمالي الغربي والمناطق القَبَلية التي تدار فيدرالياً. وما زال مقاتلو "طالبان البنجاب" يتنقلون بين القتال في كشمير ضد القوات الهندية إلى القتال في قلب البنجاب والمناطق الشمالية الغربية، حيث يفرضون تحدياً خطيراً آخر على سلطة الحكومة.

غير أن ما يهم حقاً في الأمد البعيد هو أن نعرف ما إذا كان المسلمون في جنوب آسيا سوف يتمكنون من دحر الانتشار الطالباني. والإجابة على هذا التساؤل تقع على عاتق المجتمعات المسلمة المتعددة في المنطقة، وليس على عاتق باكستان وحدها.

إن أفغانستان تنتظر انتخابات مهمة في وقت لاحق من هذا العام. ولا شك أن التصويت الواضح الشفاف من شأنه أن يحدث فارقاً حقيقياً في ترسيخ مصداقية الحكومة الأفغانية. وفي باكستان لم يكتمل التحول الديمقراطي حتى الآن، بعد أعوام من الحكم العسكري. ورغم ذلك فما زال الأمل قائماً في حيوية الإعلام الباكستاني، والطاقة التي ولَّدَتها الأوساط القانونية والقضائية في شهر مارس/آذار الماضي بإعادة كبير القضاة المعزول افتخار محمد تشودري إلى مقعده على رأس المحكمة العليا.

ثم هناك الجيش الباكستاني الذي يعد بمثابة "حزب سياسي فوق العادة" في البلاد. والحقيقة أن علاقات باكستان بالهند وأفغانستان والولايات المتحدة تعتمد إلى حد كبير على المؤسسة العسكرية. ولم يُـبدِ قائد الجيش أشفق كياني أي اهتمام بتولي الدولة، كما فعل سلفه الجنرال برويز مشرف . ولكن يتعين على الجيش أن يتقبل تبعيته للقيادة السياسية في باكستان. ومن الأهمية بمكان أن تعترف قيادة الجيش أخيراً بأن التدخلات العسكرية المتكررة لم تخدم مصلحة البلاد.

والأهم من ذلك أن الباكستانيين في مواجهة الأحكام العرفية والاغتيالات السياسية لم يتخلوا عن حلمهم في الديمقراطية. ويعد أفضل لالا مثالاً حياً على ذلك، فهو سياسي من الباشتون له ارتباطاته بحزب عوامي الوطني، ورغم كل التهديدات التي تلقاها من حركة طالبان الدموية في باكستان، فقد ظل مقيماً في منطقة سوات أثناء العمليات القتالية الأخيرة.

سوف تكون الديمقراطية حاسمة بالنسبة لباكستان، وذلك لأنها تولِّد الاستثمارات في التعليم، والصحة، فضلاً عن التمكين الاقتصادي الذي سوف يكون بمثابة مكافأة للناخبين العاديين. والحقيقة أن طالبان لا تكتسب الأرض إلا حين يفقد الناس الثقة في قدرة الدولة الحديثة على تحسين حياتهم.

رغم ضعف أجهزة فرض القانون التي تحتاج إلى اهتمام عاجل، فإن مكافحة الإرهاب لم تكن قط قضية عسكرية بحتة. ولا شك أن التعهدات المالية التي بذلتها الولايات المتحدة واتحاد أصدقاء باكستان" (الاتحاد الأوروبي، والصين، واليابان) تشكل أهمية كبرى، ولكن حين يتصل الأمر بالاستثمار الحكيم في مشاريع التنمية، فإن سجل باكستان ليس بالسجل المشرف. ومن ثم فإن الإشراف الفعّال من جانب الجهات المانحة والقطاع الخاص الباكستاني يشكل أهمية بالغة. وهناك شرط واحد لابد من فرضه في مقابل تقديم المساعدات إلى باكستان: ألا وهو أن يتم إنفاق أموال المساعدات الأولى على إعادة بناء مدارس البنات التي هدمها القصف في سوات. وإذا اقتضى الأمر فيتعين على الجيش أن يتولى حراسة وحماية هذه المدارس على مدار الساعة.

https://prosyn.org/7wXyBMnar