usrof1_Robert AlexanderGetty Images_clouds Robert Alexander/Getty Images

أُحظُـروا الهندسة الجيولوجية الشمسية

واشنطن، العاصمةــ لقد نشأنا في عالم حيث تتجلى التأثيرات المترتبة على تغير المناخ في كل مكان. فنراه في سمائنا العاصفة وفي مياه الفيضانات التي تغمر مجتمعاتنا. نشعر به في حناجرنا ورئاتنا عندما نستنشق الهواء الملوث، وعلى جلدنا ونحن نسير في الشوارع أثناء موجات الحر. يجتمع قادة العالم كل عام لاتخاذ القرارات وإبرام الصفقات، وتقديم التنازلات والتعهد بالالتزامات، لكنهم يتوقفون دوما عند مستوى بعيد كثيرا عن تحقيق ما يلزم للتخفيف من التأثيرات المترتبة على تغير المناخ، وعلى نحو متزايد، التكيف معها. ولم يكن مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون) هذا العام استثناء.

كل هذا الجمود دفع بعض الناس إلى محاولة إيجاد طريقة للتحايل على العمل الشاق المتمثل في إنهاء الانبعاثات الغازية الضارة المسببة للانحباس الحراري، وحماية الأنظمة الإيكولوجية الحرجة، وإعادة النظر في النمو الاقتصادي والتنمية. يتمثل أحد "الحلول" المقترحة والذي تروج له أقلية صغيرة لكنها مسموعة الصوت في الشمال العالمي، في الهندسة الجيولوجية الشمسية، والتي تنطوي على تعديل الغلاف الجوي المحيط بالأرض لإنشاء حاجز عاكس ضد أشعة الشمس. ولكن بالنسبة لشباب اليوم وأجيال المستقبل، تهدد مثل هذه التدخلات بإحداث نتائج لا تقل كارثية عن تغير المناخ.

من الممكن أن تتخذ الهندسة الجيولوجية الشمسية أشكالا عديدة، بما في ذلك إطلاق كميات هائلة من جزيئات الكبريت إلى طبقة الستراتوسفير لخلق حاجز عاكس ضد أشعة الشمس (حَـقن طبقة الستراتوسفير بالهباء الجوي) وحقن السحب البحرية الضحلة برذاذ الملح (تنصيع السحب البحرية). لكنها لا تعالج أبدا الأسباب الجذرية وراء أزمة المناخ، وهي تنطوي على تعديل الغلاف الجوي المحيط بكوكبنا بطرق لا يمكن اختبارها على نطاق واسع بالقدر الكافي، وسوف يترتب عليها تأثيرات ستستمر لعقود من الزمن أو لفترة أطول.

لطالما كانت أبحاث الهندسة الجيولوجية مثيرة للجدال لهذه الأسباب بالتحديد. فقد حذر عدد لا حصر له من العلماء والخبراء من أن هذا النهج قد يتسبب في عواقب غير مقصودة بعيدة المدى. على سبيل المثال، تُـظـهِـر الدراسات أنه قد يُـربِـك أنماط المناخ والطقس، على نحو يُـفضي إلى إحداث موجات جفاف شديدة، وأعاصير، وغير ذلك من الأحوال الجوية القاسية. هذه المخاطر لا يمكن التنبؤ بها، كما أن آثارها ستكون موزعة على نحو غير متكافئ.

الواقع أن الهندسة الجيولوجية الشمسية قد تعمل على تضخيم الاختلالات القائمة في موازين القوى العالمية، خاصة وأن القرارات المتعلقة بنشرها ستتخذها في المقام الأول دول غنية في الشمال العالمي ــ وهي ذات الدول التي تسببت في خلق أزمة المناخ. لقد رعت هذه البلدان ظاهرة مميتة يقع عبئها بشكل غير متناسب على مجتمعات مستضعفة، وهي الآن تقترح استراتيجية محفوفة بالمخاطر، والتي لن تحل المشكلة حتى في أفضل السيناريوهات.

لم يمنع أي من هذه الاعتراضات من تحويل ملايين الدولارات ــ من قِـبَـل أصحاب المليارات في مجالي التكنولوجيا والتمويل إلى حد كبير ــ إلى مبادرات الهندسة الجيولوجية الشمسية. يشير المؤيدون إلى أن مثل هذه المبادرات مجرد حل مؤقت، ووسيلة لكسب مزيد من الوقت لتعزيز جهود التخفيف والتكيف. من منظورنا، تبدو مثل هذه التصريحات أشبه بقلاع خطيرة في الهواء ــ جذابة ولكن وهمية.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

الأرجح أن الهندسة الجيولوجية الشمسية ستقدم ذريعة للجهات الرئيسية المسببة للانبعاثات على مستوى العالم للامتناع عن إنهاء إدمانها للوقود الأحفوري. وهذا يعمل على مضاعفة خطر "صدمة الإنهاء": فإذا توقفت جهود الهندسة الجيولوجية الشمسية فجأة، سيتبع ذلك تسارع الانحباس الحراري. وبالتالي سيكون لزاما على أجيال المستقبل ــ بما في ذلك شباب اليوم ــ مواجهة ارتفاعات خطيرة في درجات الحرارة وأزمات أشد حدّة بكثير من تلك التي نواجهها الآن.

في أقل تقدير، سنكون نحن من يتحمل فاتورة التحول الاقتصادي والمجتمعي اللازم لمواجهة تغير المناخ ــ وهو تحول لا يتلقى الاستثمار الكافي اليوم. يحلو للمدافعين عن الهندسة الجيولوجية الشمسية تصويرها على أنها حل "رخيص"، لكن تحويل الموارد من المبادرات التي نعرف أنها ناجحة ــ ولا تهدد صحة كوكبنا ــ لا يمكن اعتباره إدارة مالية سليمة. بل إنه يرقى إلى إلقاء عبء العمل الشاق المتمثل في معالجة ديون الكربون على عاتق جيلنا والأجيال التي ستأتي من بعدنا.

لهذا السبب، ندعو إلى فرض حظر كامل على الهندسة الجيولوجية الشمسية. ونحن لسنا وحدنا. فقد دعت أكثر من ألفين من منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك منظمة "Fridays For Future" وأكثر من 540 أكاديميا إلى إبرام اتفاقية دولية لمنع استخدام الهندسة الجيولوجية الشمسية. على نحو مماثل، عارضت دول على الخطوط الأمامية لأزمة المناخ، مثل فانواتو وغيرها، استخدام مثل هذه التكنولوجيات.

قد توجه بعض الأصوات المرتفعة ــ ولا شك أنها جيدة التمويل ــ الاتهامات إلى المعارضين من أمثالنا بأنهم أصحاب عقول منغلقة، على نحو يوحي بأننا يجب أن نكون أكثر استعدادا للدخول في حوار حول هذا الموضوع. لكن هذه مجرد حيلة لرفض موقف مدعوم بأبحاث وفيرة. الواقع أن المجموعة الصغيرة من الشباب الممولين جيدا المدافعين عن البحث في الهندسة الجيولوجية الشمسية ترتبط غالبا بمنظمات معروفة بترويجها لهذه التكنولوجيات المثيرة للجدال، وهذا يثير الشكوك التي تدعو إلى الاعتقاد بأنها مُختارة خصيصا لإعطاء الهندسة الجيولوجية الشمسية ستار دعم الشباب.

إن آخر ما يحتاج إلى الشباب هو أن نتركهم يتحملون مسؤولية أزمة أخرى لم نخلقها. لكن هذا على وجه التحديد ما ستعنيه الهندسة الجيولوجية الشمسية في الأرجح. والسعي إلى تنفيذها يرقى إلى خيانة جسيمة للأجيال التالية.

ترجمة: إبراهيم محمد علي        Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/xSRSnMzar