donini1_CRISTINA ALDEHUELAAFP via Getty Images_malariavaccine Cristina Aldehuela/AFP via Getty Images

سلاح جديد للقضاء على الملاريا

جنيف- على مدى السنوات الثلاث الماضية، سيطرت جائحة كوفيد-19 على عناوين الأخبار، وحفزت البحث العلمي، وجعلت الخبراء في جميع أنحاء العالم يركزون على الموارد وأي ابتكار تكنولوجي يحتمل أن يكون مفيدا لحل المشكلة. ومع أن التركيز على كوفيد-19 قد تراجع قليلاً، إلا أنه لا يزال يمثل أولوية عالمية عالية؛ وفي بعض الأحيان يكون ذلك على حساب الأمراض المعدية التي ترتبط بالفقر، وتؤثر بالدرجة الأولى على الجنوب العالمي. فعلى سبيل المثال، في عام 2021، عندما سُجلت 247 مليون حالة في جميع أنحاء العالم، أودت الملاريا بحياة 619000 شخص تقريباً، معظمهم من الأطفال في أفريقيا جنوب الصحراء

إن الملاريا مرض قابل للاتقاء والعلاج بصورة كاملة، وقد أحرز الباحثون الكثير من التقدم في كلا المجالين. ففي مارس/أذار، على سبيل المثال، أوصت منظمة الصحة العالمية باستخدام ناموسيتين جديدتين معالجَتين بمبيدات الحشرات ثنائية المكونات للوقاية من بعوضة "الأنوفيلية" التي تنقل الملاريا، وتحتوي إحداهما على مزيج أكثر فتكًا من المبيدات الحشرية، وتتمتع الأخرى بقدرتها على إعاقة نمو البعوض وتكاثره.

وتعتبر الأدوية المضادة للملاريا التي تتسم بالفعالية من حيث التكلفة أداة أخرى مهمة. إذ في عام 2021، قُدمت الوقاية الكيميائية الموسمية من الملاريالما يقرب من 45 مليون طفل ممن تتراوح أعمارهم بين ثلاثة أشهر وخمس سنوات، وتلقوا جرعات شهرية من الأدوية العلاجية بتكلفة بلغت أقل من 4 دولارات للفرد. وتعطينا آخر الأخبار التي تروج عن لقاح"موسكيريكس"الرائد لشركة "جلاسكو سميث كلاين" (المعروف أيضًا باسم RTS,S)، بصيصا من الأمل، مع أن تكلفته لا تزال مرتفعة نسبيًا، حيث تبلغ 40 دولارًا تقريبا لكل طفل في السنة الأول من عمره.

ومع بذل هذه الجهود، لا تزال الملاريا تشكل تهديدًا للصحة العامة. فحتى بعد استثمار 26 مليار دولار لمعالجة المرض في أفريقيا جنوب الصحراء، زاد عدد حالات الإصابة به زيادة طفيفة بين عامي 2000 و2019 (مع أن عدد الوفيات شهدت تراجعا). ومن الواضح أنه يلزم اتخاذ تدابير وقائية جديدة- مصممة خصيصًا للأطفال. ويجب أن تسترشد الجهود المبذولة للوصول إلى المزيد من الابتكارات بتلك التي بُذلت أثناء الجائحة: تتمثل إحدى فوائد الكم الهائل من الأبحاث خلال جائحة كوفيد-19 في أنها أظهرت الإمكانات الهائلة للأجسام المضادة وحيدة النسيلة.

إن هذه العقاقير عبارة عن نسخ مخبرية من البروتينات التي ينتجها الجهاز المناعي لشخص معين لمهاجمة أنواع معينة من الأجسام الغريبة التي تغزو الجسم. وفي الماضي، كانت الأجسام المضادة وحيدة النسيلة سلاحا قويا ضد السرطان، وأمراض المناعة الذاتية مثل التهاب المفاصل الروماتويدي والذئبة. ومع أن الأجسام المضادة وحيدة النسيلة للوقاية من كوفيد-19 والفيروس المخلوي التنفسي لم تُعتمد في كثير من الأحيان كوسيلة وقائية، إلا أن استخدامها قد أظهر نتائج واعدة. وفضلا عن ذلك، تمكنها انتقائيتها الرائعة من التمييز بين الأهداف الجزيئية وثيقة الصلة، مما يؤدي إلى التقليل من آثارها الجانبية. وهذا يجعل منها دواء آمنا للأطفال (بالإضافة إلى الفئات السكانية الأخرى المعرضة لخطر الإصابة بالمرض).

وحددت مجموعة بحثية في معاهد الصحة الوطنية الأمريكية، بقيادة روبرت سيدر، نوعين من الأجسام المضادة ل"CSP-1"، وهو البروتين الذي يستخدمه طفيلي الملاريا لغزو خلايا الكبد حيث تبدأ العدوى. لذا من المفروض أن يؤدي كبح جماح"CSP-1" إلى منع انتشار العدوى. وتخضع حاليًا الفئة الأولى من هذه الأجسام المضادة التي تتسم بقدر أكبر من التطور، وهي L9LS، للاختبار للتأكد من سلامتها وفعاليتها في معالجة الأطفال في مالي وكينيا. وتقَيم دراسة مالي نجاحها في بيئة تنتشر فيها الملاريا الموسمية، في حين تركز دراسة كينيا على منطقة يمكن أن تحدث فيها الإصابة بالعدوى على مدار العام.

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription
PS_Sales_Winter_1333x1000 AI

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription

At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.

Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.

Subscribe Now

ويمكن للأجسام المضادة وحيدة النسيلة أن تكون عاملا حاسما في الوقاية من الملاريا، وأن تعزز الهدف الذي طال انتظاره وهو استئصال المرض. وخضع الجيل الحالي من الأجسام المضادة للملاريا للتعديل بحيث يمكن لجرعة واحدة حماية الطفل لمدة ثلاثة أشهر على الأقل- وربما لفترة أطول. وستحدد التجارب السريرية مدى الحماية ومدتها الدقيقة، وتوفر إرشادات مفيدة بشأن مقدار التحسين المطلوب للوصول إلى جرعة يمكن حقنها مرة واحدة سنويًا.

ومع أن الأجسام المضادة معروفة بثمنها الباهض، وزد على ذلك أن أسعار تلك المستخدمة لعلاج السرطان تزيد عن 20000 دولار شهريًا في أوروبا والولايات المتحدة، إلا أن زيادة فاعلية هذا العلاج المتطور يمكن أن يقلل إلى حد كبير من التكاليف. ويعتقد البعض أن حقنة صغيرة لا تتعدى مليلتر واحد من خليط الأجسام المضادة الذي يخضع للتجارب في مالي وكينيا يمكن أن تحمي الأطفال بتكلفة 5-10 دولارات فقط للشخص الواحد.

وحتى الآن، جاء الطلب على الأجسام المضادة وحيدة النسيلة بالدرجة الأولى من البلدان ذات الدخل المرتفع؛ وتمثل أفريقيا 1 في المائة فقط من المبيعات العالمية. ويسلط هذا التباين الضوء على ضرورة العمل مع الهيئات التنظيمية الوطنية لضمان أن تعالج بيانات المنتج المقدمة مخاوف الصحة العامة على نحو كاف، وعلى المدى الطويل، لإشراك البلدان المتأثرة في إنتاج هذه المستحضرات الدوائية الحيوية. ومع أن تصنيع الأجسام المضادة عملية معقدة وخاضعة لرقابة شديدة، إلا أن الاستثمار في التكنولوجيا للقيام بذلك الآن سيكون نعمة للاقتصادات النامية التي أثقلت الملاريا المستوطنة كاهلها.

وقد تكون الأجسام المضادة وحيدة النسيلة هي الأفق الجديد في مكافحة الملاريا، ولكن الترويج لذلك الآن لن يكون بالأمر السهل: يجب أن يجتمع أصحاب المصلحة من الحكومة والأوساط الأكاديمية وقطاع الصناعة معًا لتنسيق جهود الدعوى ورفع مستوى الوعي. (يجب أن تشجع المجموعات نفسها على تطوير هذه الأنواع من المستحضرات الدوائية الحيوية للتصدي لجميع الأمراض المعدية).

وما زلنا في بداية رحلة طويلة: إذ لن يُستخدم الجيل الأول من الأجسام المضادة للملاريا حتى عام 2027 على أقرب تقدير. وتعطي هذه العقاقير إمكانات واعدة كواحدة من الأسلحة العديدة لمحاربة قاتل الأطفال هذا، إلى جانب الناموسيات والأدوية واللقاحات الناشئة. وستخبرنا التجارب السريرية ما إذا كان ممكناً تحقيق هذه الإمكانات، ولكن من الحكمة أن نبدأ في الاستعداد للنجاح الآن.

ترجمة: نعيمة ابروش    Translated by Naaima Abarouch

https://prosyn.org/7yhoBMGar