volz6_MANDEL NGANAFP via Getty Images_malpass Mandel Ngan/AFP via Getty Images

بنوك التنمية المتعددة الأطراف وضرورة المشاركة في تخفيف أعباء الديون

لندن ــ تتزايد الحاجة الملحة إلى معالجة أزمة الديون السيادية في العالَـم النامي على نحو مستمر. فمع ارتفاع درجات الحرارة العالمية وتعاظُـم التهديد بإلحاق أضرار لا يمكن إصلاحها بكوكب الأرض، تعمل أعباء الديون المرهقة على منع عدد كبير من البلدان المنخفضة الدخل في أفريقيا وأماكن أخرى من الاستثمار في العمل المناخي. وقد تسببت منازعات الدائنين في عرقلة التقدم على مسار تخفيف أعباء الديون بموجب إطار مجموعة العشرين المشترك لمعالجة الديون، الأمر الذي أدى إلى إعاقة أي إمكانية للتوصل إلى حل حقيقي وفي الوقت المناسب.

كان التساؤل حول ما إذا كانت بنوك التنمية المتعددة الأطراف لتتحمل الخسائر إلى جانب غيرها من الدائنين مثيرة للجدال بشكل خاص. ففي حين طلبت مجموعة العشرين من بنوك التنمية المتعددة الأطراف العمل على تطوير خيارات لتقاسم الأعباء، لم يُـسـفِـر ذلك عن ظهور أي خطة منهجية. على النقيض من نادي باريس للدائنين السياديين، أصَـرَّت الصين على أن تتحمل بنوك التنمية المتعددة الأطراف خصما من أصل الديون المستحقة لها، قبل أن تخفف موقفها أثناء اجتماعات الربيع المشتركة هذا العام بين مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. بيد أن المطالبة بمشاركة بنوك التنمية المتعددة الأطراف تكررت في إطار قمة مجموعة البريكس الأخيرة.

وهي مطالبة مستحقة. كما نبين في تقرير جديد، فإن مشاركة بنوك التنمية المتعددة الأطراف في إعادة هيكلة الديون السيادية ليست ممكنة فحسب، بل إنها ضرورية أيضا لكسر الجمود الحالي. بادئ ذي بدء، ما لا يقل عن نصف إجمالي رصيد الديون السيادية الخارجية في 27 دولة مثقلة بالديون ــ وكثير منها بلدان منخفضة الدخل أو دول جزرية صغيرة نامية ــ مستحق لدائنين متعددي الأطراف. وعلى هذا فحتى لو ألغيت كل الديون الثنائية والخاصة، قد يتسبب إعفاء بنوك التنمية المتعددة الأطراف من إعادة هيكلة الديون في منع بعض البلدان الأكثر ضعفا في العالَـم من تحقيق التعافي الكامل.

ثانيا، الإدراك هنا مهم. ذلك أن مشاركة كل الدائنين الخارجيين، بما في ذلك بنوك التنمية المتعددة الأطراف، في إعادة هيكلة الديون من شأنها أن تزيل أي انطباع بالظلم أو الانتفاع المجاني، وهذا بدوره يجعل الدائنين الثنائيين والدائنين من القطاع الخاص أكثر ميلا إلى التفاوض.

ثالثا، يتماشى تخفيف أعباء الديون الناتج عن تقاسم الأعباء مع التفويض الأساسي لبنوك التنمية المتعددة الأطراف والمتمثل في دعم التنمية الاقتصادية المستدامة والقضاء على الفقر المدقع. فإذا ظلت الأزمة بلا حل، ستكون البلدان المثقلة بالديون عاجزة عن تحقيق أي تقدم نحو أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة، ناهيك عن تحقيقها بحلول عام 2030. ولن يتسنى للحكومات الاستثمار في مجالات ذات أولوية عالية إلا مع توفر حيز مالي أكبر.

أخيرا، من شأن أزمة الديون المطولة أن تعمل على توليد تكاليف كبيرة تتحملها أذرع الإقراض الميسر التابعة لبنوك التنمية المتعددة الأطراف: فمع ارتفاع مؤشرات ضائقة الديون في البلدان المنخفضة الدخل، من المحتم أن يرتفع أيضا عنصر الـمِـنَـح في المساعدات التي تقدمها بنوك التنمية المتعددة الأطراف. لنتأمل هنا المؤسسة الدولية للتنمية، وهي ذراع إقراض البلدان الأكثر فقرا التابعة للبنك الدولي. وفقا لتقديراتنا، ارتفعت الـمِـنَـح التي تقدمها المؤسسة الدولية للتنمية على أساس معايير القدرة على تحمل الديون من 600 مليون دولار في عام 2012 إلى 4.9 مليار دولار في عام 2021 ــ أي من 8% إلى 36% من التزاماتها. وبالتالي فإن تسريع وتيرة التقدم في تخفيف أعباء الديون يصب في مصلحة بنوك التنمية المتعددة الأطراف.

BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99
BF2024-Onsite-1333x1000

BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99

Subscribe now to gain access to insights and analyses from the world’s leading thinkers – starting at just $34.99 for your first year.

Subscribe Now

لا شك أن بنوك التنمية المتعددة الأطراف تقدم القروض بشروط أفضل من تلك التي يقدمها دائنون آخرون. وعلى هذا فإن القواعد العادلة للمعاملة المتساوية للدائنين، والتي تضع في الحسبان تكاليف الإقراض، مطلوبة لتحقيق التوزيع العادل للخسائر.

باستخدام القواعد العادلة، تشير تقديراتنا إلى أن شطب ديون بقيمة 55 مليار دولار ــ أي ما يعادل خصم من أصل الدين بنسبة 39% ــ مستحقة على 41 من الدول المؤهلة للحصول على المساعدة من المؤسسة الدولية للتنمية والدول الجزرية الصغيرة النامية التي تواجه ضائقة ديون يعني خسارة بنوك التنمية المتعددة الأطراف نحو 8 مليار دولار، مقارنة بخسائر يتحملها دائنون من القطاع الخاص بنحو 27 مليار دولار. هذا السيناريو من شأنه أن يكلف المؤسسة الدولية للتنمية ملياري دولار، وهذا أقل كثيرا مما تنفقه على الـمِـنَـح المرتبطة بمؤشرات ضائقة الديون. وإذا حصلت هذه البلدان المدينة على خصم أكثر سخاء بنسبة 64% ــ وهذا يماثل تخفيف الديون المقدم أثناء مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون ــ فسوف يبلغ إجمالي خسائر البنوك المتعددة الأطراف نحو 25 مليار دولار.

وإذا شاركت بنوك التنمية المتعددة الأطراف في تخفيف أعباء ديون مجموعة أكبر تتألف من 61 دولة تواجه مشاكل ديون حادة ــ بما في ذلك بلدان متوسطة الدخل مثل مِـصر، ونيجيريا، وباكستان ــ فإن الخصم من أصل الدين بنسبة 39% من شأنه أن يكلفها 37 مليار دولار باستخدام القواعد العادلة للمعاملة المتساوية للدائنين. هذا ليس مبلغا بسيطا. ولكن من خلال قبول هذه الخسارة، يصبح بوسع بنوك التنمية المتعددة الأطراف تحرير 305 مليار دولار من إجمالي تخفيف أعباء الديون ــ بما في ذلك 209 مليار دولار من دائنين من القطاع الخاص. بعبارة أخرى، كل دولار يساهم به المانحون من خلال بنوك التنمية المتعددة الأطراف قد يُـتَـرجَـم إلى 7 دولارات من إجمالي تخفيف أعباء الديون.

الواقع أن تقاسم أعباء تخفيف الديون لا يهدد بالضرورة التصنيفات الائتمانية المرتفعة التي تتمتع بها بنوك التنمية المتعدد الأطراف ولا قدرتها المتميزة على الوصول إلى رأس المال المنخفض التكلفة. استنادا إلى عمليات أعادة هيكلة الديون السيادية في السابق، تستطيع بنوك التنمية المتعددة الأطراف أن تعتمد على مساهمات المانحين والموارد الداخلية لدعم الخسائر الناجمة عن تخفيف أعباء الديون. علاوة على ذلك، تستطيع بنوك التنمية المتعددة الأطراف إحياء ترتيبات مؤسسية مثل الصندوق الائتماني لتخفيف أعباء الديون التابع للبنك الدولي والاستفادة من أرصدتها الاحترازية بمجرد حصولها على تدفقات جديدة من رأس المال.

إذا كنا جادين في معالجة أزمة الديون المتصاعدة في الجنوب العالمي، يتعين على بنوك التنمية المتعددة الأطراف أن تكون على استعداد لتحمل الخسارة من أصل الديون المستحقة لها. هذا هو السبيل الوحيد لإحراز أي تقدم نحو إعادة هيكلة الديون. ولكن لضمان تقاسم الأعباء بشكل عادل، يجب أن يجري تحديد الخسائر وفقا للقواعد العادلة للمعاملة المتساوية للدائنين، ويشمل هذا تكلفة الإقراض والعناصر الميسرة. الحق أن تخفيف أعباء الديون لن يتأتى بلا ثمن، لكنه ثمن يستحق أن نتكبده من أجل وضع البلدان المستضعفة، والعالَـم في عموم الأمر، على مسار يقوده إلى المرونة المناخية والتنمية المستدامة.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/pmwZC3Rar