kuttab54_Paula BronsteinGetty Images_separation wall Paula BronsteinGetty Images

حال بغيضة في القدس

عَـمّـان ــ كل من يهتم بفهم جذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ما عليه إلا أن يقوم بزيارة إلى القدس الشرقية. هناك يمكنك أن ترى كل النقاط الحرجة الرئيسية. بعد أربع سنوات من الدراسة الدقيقة الشاملة، نشرت منظمة العفو الدولية مؤخرا تقريرا يوضح وجود نظامين مختلفين تماما في كل المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية: أحدهما يحترم الحقوق والمساواة والحرية لليهود الإسرائيليين؛ والآخر ينكر الحقوق والمساواة والحرية للعرب الفلسطينيين.

يتجلى هذا التمييز العنصري بوضوح في حي الشيخ جراح. بعد حرب عام 1948، عاش اللاجئون الفلسطينيون في هذا الحي بالقدس الشرقية في خيام بائسة إلى أن وافقت الأمم المتحدة، بالتعاون مع الحكومة الأردنية، على بناء مساكن لهم. ولكن منذ احتلالها القدس الشرقية في يونيو/حزيران 1967، تتقبل إسرائيل ادعاءات غير موثقة يتقدم بها يهود يزعمون إن قطعة بعينها من الأرض تعود ملكيتها إلى أسلاف لهم من القرن التاسع عشر، في حين تنكر مطالبات الفلسطينيين بالمساكن والأراضي التي أُجـبِـر آباؤهم وأجدادهم على الفرار منها في وطيس الحرب.

ما زاد الطين بلة أن المستوطنين اليهود الذين عينوا أنفسهم على أنهم وكلاء نجحوا على نحو متزايد في إجبار الأسر الفلسطينية على ترك مساكنها، حتى يتسنى لهم تسليمها إلى أسر يهودية. الواقع أن عمليات الـطـرد هذه، والتي جرى تنفيذها بمساعدة الجيش الإسرائيلي، تُـعَـد انتهاكات واضحة للقانون الدولي. عندما صيغت اتفاقية جنيف الرابعة (بشأن المدنيين) بعد الحرب العالمية الثانية، كان هدفها الصريح منع هذا النوع على وجه التحديد من التطهير الـعِـرقي.

في منطقة ليست ببعيدة عن حي الشيخ جراح نجد بقعة ساخنة أخرى. في عام 2014، عينت اتفاقية أُبـرِمَت برعاية الولايات المتحدة، بين رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو والملك عبد الله الثاني ملك الأردن، حدود ثالث أقدس مسجد في الإسلام، المسجد الأقصى، باعتباره مقاما مقدسا يُـسـمَـح للمسلمين فقط بالصلاة فيه، ولكن يستطيع الآخرون جميعا زيارته. ولكن الآن، تُـنتَـهَـك هذه الاتفاقية يوميا حيث تسمح قوات الأمن الإسرائيلية لمتطرفين يهود بزيارة الموقع للصلاة ــ وهو تصرف مشحون بالمخاطر ويهدد بتحويل صراع سياسي إلى حرب دينية.

الحق أن الإساءة جسيمة حتى أن الملك عبد الله ــ وهو من نسل النبي محمد ورئيس الأسرة الهاشمية، التي تحتفظ بالوصاية على المواقع الإسلامية المقدسة في القدس ــ لم يلتق علنا بعد برئيس دولة إسرائيل الحالي، إسحاق هرتسوج، أو رئيس الوزراء الإسرائيلي نافتالي بينيت (وإن كان التقى الزعيمين سرا العام الماضي).

في شمال وجنوب وشرق الشيخ جراح، أقامت إسرائيل جدارا إسمنتيا بارتفاع ثمانية أمتار، والذي يقسم الأحياء الفلسطينية. كما وفرت طرقا منفصلة للإسرائيليين اليهود في حين حرمت السكان الفلسطينيين من الوصول إلى الخدمات الأساسية، وخاصة أولئك الذين يعيشون على الجانب الآخر من الجدار ولكن تحت السيطرة الإسرائيلية. يعيش نحو 100 ألف مقدسي في مناطق تغيب عنها الخدمات الإسرائيلية والأمن لكن الشرطة الفلسطينية غير مسموح لها بالدخول إليها. وفي مناطق الظُـلمة القانونية هذه ينتشر العنف والمخدرات والافتقار وإهدار القانون.

PS_Sales_BacktoSchool_1333x1000_Promo

Don’t go back to school without Project Syndicate! For a limited time, we’re offering PS Digital subscriptions for just $50.

Access every new PS commentary, our suite of subscriber-exclusive content, and the full PS archive.

Subscribe Now

إن سياسات إسرائيل التمييزية ليست مجدر انتهاكات للقانون الدولي. فهي تُـنَـفَّـذ باستخدام القوة الغاشمة والترهيب. وبسبب التوترات الناتجة عن ذلك في القدس، أصبحت الأراضي المحتلة منطقة حرب حيث يشن مستوطنون إسرائيليون همج هجمات روتينية على الفلسطينيين، الذين لا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم إلا بإلقاء الحجارة.

تمنع إسرائيل في كثير من الأحيان الفلسطينيين من الانخراط حتى في النشاط السياسي السلمي، بل إن الأحداث البريئة مثل عروض الدُمى يمكن منعها إذا كانت ممولة من قِـبَـل شبه الحكومة الفلسطينية في رام الله أو من خلالها. وفي شهر إبريل/نيسان الماضي، اضطرت القيادة الفلسطينية إلى إلغاء انتخابات عامة لأن إسرائيل منعت الفلسطينيين في القدس الشرقية من استخدام مكاتب البريد هناك لإرسال بطاقات الاقتراع بالبريد ــ وهذا رفض صريح من قِـبَـل إسرائيل للوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقيات أوسلو.

يعكس الوضع المتدهور في القدس، والاشتباكات اليومية بين المستوطنين غير الشرعيين والفلسطينيين في مختلف أنحاء الأراضي المحتلة، غياب أي أفق سياسي للصراع. والحكومة الفلسطينية غير قادرة على التدخل لأنها أضعف من أن تواجه المحتلين الإسرائيليين. وعلى هذا فقد تُـرِك الفلسطينيون لمقاومة المحتلين بأنفسهم، دون أي مصدر للأمل في المستقبل.

لقد اعترضت الحكومة الإسرائيلية كل سبيل إلى أي حل سلمي للنزاع. إن إسرائيل وحلفاءها يفعلون على وجه التحديد ذات الأمر الذي شجبوا العالم العربي للقيام به بعد قمة الجامعة العربية في الخرطوم في عام 1967، حيث أصدر القادة "اللاءات الثلاثة": "لا سلام، ولا مفاوضات، ولا اعتراف بإسرائيل. ينتمي بينيت إلى حزب يميني متطرف مؤيد للمستوطنين وقد أوضح أنه لا يعتزم إجراء محادثات مع الفلسطينيين. الواقع أنه يتفاخر برفضه حتى لقاء الزعيم الفلسطيني محمود عباس، ولا يزال يعارض بشدة حل الدولتين.

سوف تظل القدس على الدوام مدينة مقدسة لكل الديانات السماوية الثلاث الرئيسية، وهي لا تزال موطنا للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. لكنها لم تكن منارة للسلام كما تمنى لها كثيرون أن تكون. بل أصبحت بدلا من ذلك بؤرة للصراع. وفي غياب جهود جادة لنزع فتيل هذا الوضع البغيض في القدس وتوفير الأمل السياسي من خلال عملية سلام جديرة بالثقة، فقد يخرج العنف عن السيطرة بسهولة.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/mQ5HfI1ar